تصاعدت في الآونة الأخيرة الأصوات الأوروبية المطالبة باتخاذ مواقف أكثر حزماً تجاه إسرائيل بسبب حربها في قطاع غزة، والتي توصف على نطاق واسع بأنها حملة إبادة وتجويع ممنهجة. هذه المواقف تضع أوروبا في مسار تصادمي مع أحد أكبر شركائها الدوليين، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقات الثنائية، خصوصاً في ظل مناقشات أوروبية جارية لتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل.
ما هي اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل؟
وقّعت اتفاقية الشراكة بين الطرفين في عام 1995 ودخلت حيز التنفيذ في عام 2000، وتوفر إطاراً واسعاً للتعاون الاقتصادي، والسياسي، والتجاري، والثقافي. بموجبها، تستفيد إسرائيل من امتيازات تجارية وتفضيلية في التعامل مع السوق الأوروبية، ما يعزز اقتصادها بشكل ملحوظ.
ما الذي تغير؟
مع تزايد الجرائم المرتكبة في غزة بحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، أبدت دول أوروبية – على رأسها إسبانيا، فرنسا، وأيرلندا – مواقف أكثر حزماً، وصلت إلى حد وصف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إسرائيل بأنها "دولة إبادة"، وهو موقف نادر في العلاقات الأوروبية-الإسرائيلية.
وبالتوازي، دعت سبع دول أوروبية – من بينها إسبانيا وبلجيكا – إلى وقف فوري للحرب، وهددت باتخاذ خطوات ملموسة في حال استمرار الانتهاكات، بينها تعليق أو مراجعة العلاقات القائمة مع إسرائيل.
هل يمكن للاتحاد الأوروبي فعلاً تعليق الاتفاق؟
من الناحية القانونية، نعم، يمكن تعليق الاتفاق استناداً إلى بند "حقوق الإنسان" الموجود ضمن الاتفاقية، والذي ينص على إمكانية تجميد العلاقات إذا ما ثبتت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
لكن من الناحية السياسية، فإن اتخاذ هذا القرار يواجه عقبة كبيرة: الإجماع المطلوب داخل الاتحاد الأوروبي. إذ يجب أن توافق جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة، وهذا ما قد يصعب تحقيقه في ظل وجود دول داعمة لإسرائيل كألمانيا والمجر والتشيك.
ما الذي ستخسره إسرائيل؟
اقتصادياً: الاتحاد الأوروبي هو أحد أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل، وتعليق الاتفاقية قد يؤدي إلى خسائر بمليارات الدولارات سنوياً، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والمنتجات الزراعية.
سياسياً: سيكون ذلك سابقة دولية تُضعف موقف إسرائيل دبلوماسياً وتُعزز عزلة متزايدة عنها في الساحة العالمية.
رمزياً: تعليق الشراكة سيمثل صفعة سياسية قوية ويُرسل رسالة مفادها أن أوروبا لم تعد مستعدة لتوفير غطاء سياسي أو اقتصادي في ظل الجرائم المرتكبة.
ورغم أن الغضب الأوروبي في تصاعد، إلا أن الخطوة التاريخية لتعليق اتفاقية الشراكة لا تزال غير مضمونة بسبب البيروقراطية الأوروبية واشتراط الإجماع. ومع ذلك، فإن الضغط الشعبي والسياسي يتزايد، وإذا استمرت المجازر في غزة، فإن مجرد فتح هذا الملف على طاولة النقاش الرسمي يعد تطوراً غير مسبوق في العلاقة بين أوروبا وإسرائيل، وقد يكون مقدمة لتحولات أعمق في السياسة الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية.