من حكايات أبي 5 الخليج (عربي) أم فارسي؟

کاتب ١ 12 آذار 2025 75 مشاهدة
# #

بقلم/ د. عبدالله العلياوي

بقيت بعض الدوائر الرسمية في العراق لزمن طويل مركزية، ومقرها في بغداد بلا فروع في المحافظات، ومنها دائرة الجنسية والاحوال المدنية، وكان على أي مواطن من سكان المحافظات الحضور الى العاصمة لاستخراج شهادة جنسية، كانت الرحلة مكلفة مادية ومتعبة جدا لسكان المحافظات الكردية ومحفوفة أيضا بالمخاطر الأمنية، إذ لا تخلو عائلة من مطلوب للأجهزة الأمنية ولذلك يتردد الكردي في مراجعة دائرة الجنسية وخاصة في الخمسينيات والستينيات.
بعد اتفاق آذار 1970، تحسن الوضع قليلا وتوقفت الملاحقات لذلك سارع الكثير من الكرد لاستخراج وثيقة شهادة الجنسية وخاصة أرباب العوائل التي ازداد عدد أفرادها في سنوات التوتر الأمني والحملات العسكرية وكان أبي من بين هؤلاء.
استعان ابي بصديق له كان زميلا في أيام دراسة الكتاتيب واصبح يعمل اماما لجامع صغير اسمه (جامع خضر بيك) في شارع الجمهورية للسكن عنده وأيضا للاستدلال على دائرة الجنسية وما يتعلق بتفاصيل استخراج هذا المستمسك العتيد الذي استغلته الأنظمة المتعاقبة لإرهاب المواطنين رغم انه حق لهم ووثيقة عادية، ولذلك تزاحم المواطنون الكرد بعد اتفاق آذار على الدائرة وكان بعضهم يقضي عدة أيام في العاصمة وهو ما يكلفهم الكثير من الأموال ومعظمهم فقراء، ومن يريد تسريع انهاء المعاملة يحتاج الى واسطة او معارف وصادف ان صديق أبي (امام جامع خضر بيك) لديه معارف سهلوا الوصول الى مدير الجنسية، وكان منصبا خطيرا لايشغله الا من كان محل ثقة السلطة ويسجل اسمه في الوثيقة (شهادة الجنسية) ويبقى خالدا لعقود وملتصقا بآلاف المواطنين الذين استخرجوا الوثائق أيام ولايته.
في ذلك الوقت، كان عدد رجال الدين قليلا ويثير مظهرهم الانتباه والاحترام في نفس الوقت، وحصل ابي على تقديم جيد من صديقه الذي قال عنه (انه عالم كردي من أربيل) وهو ما تسبب بمحادثة طريفة بين ابي ومدير الجنسية الذي أتذكر انه كان يحمل لقب (العاني)، إذ رحب المدير بالرجلين المعممين وقال مازحا انه سيسهل المهمة عليهما اذا أجاب ابي على بعض الاسئلة، وبادر الى سؤال أبي عن رأيه بالملا مصطفى البارزاني، فقال ابي للمدير (أي واحد منهم؟) ليدهش المدير ويسأل أبي مجددا (وهل يوجد أكثر من واحد؟) قال ابي (نعم، هناك ملا مصطفى البارزاني قبل اتفاق آذار وهو متمرد خارج على القانون وزعيم العصاة...، ويوجد ملا مصطفى البارزاني بعد اتفاق آذار وهو شخصية وطنية وزعيم سياسي ومناضل يساهم في تحقيق السلام) هذه الإجابة اثارت ضحك المدير لكنها في نفس الوقت فتحت شهيته لمواصلة الكلام، فسأل أبي السؤال الثاني (يا شيخ هل الخليج عربي أم فارسي؟) وايامها كانت سلطة البعث قد بدأت حملة مكثفة لمحو مصطلح (الخليج الفارسي) واستبداله بـ(الخليج العربي) في الوثائق والاعلام والكتب والدراسات، واعتبرها الحكم قضية خطيرة، وعرف أبي الفخ الذي نصبه المدير العاني له فقال (الخليج للاقوى، واليوم بريطانيا هي الأقوى، والخليج لا عربي ولا فارسي انما بريطاني) عندها اطلق المدير ضحكة كبيرة مستمتعا بالمناورات التي يمارسها هذا الشيخ الكردي المعمم، وطرح عليه السؤال الثالث، فقال (ما رأيك: هل ينتصر العرب على إسرائيل؟) لم يرغب ابي باضعاف موقفه وتقديم إجابة عادية متوقعة في مثل هذا الموقف للخروج بسلام، لذلك قال (لن ينتصر العرب، ما دام الحكام العرب ينفقون على ملذاتهم ومؤامراتهم بعضهم على البعض أكثر من الانفاق على التعليم والعلم والجيوش ويعملون لصالح الدول الاخرى).
يقول ابي ان الرجل صدم بالاجابة لكنه عبر عن احترامه لي وقال (اجابتك ليست لرجل دين عادي بل انت داهية وسياسي) وانجزنا المعاملة بسرعة وخرجنا فرحين بالسلامة وبشهادة الجنسية الجديدة ونحن نجتاز صفوف الانتظار الطويلة في الدائرة.

حقوق الطبع والنشر © Video IQ