Weather Data Source: 30 days weather Baghdad
بغداد
عاجل

كيف ربطت الصحافة الإيرانية فوز زهران ممداني بهزيمة الإسلاموفوبيا؟

#
کاتب ١
14/11/2025 | 12:40 PM

أثار فوز السياسي الأمريكي من أصول أوغندية، زهران ممداني، بمنصب عمدة نيويورك في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2025، اهتماما واسعا في الصحف الإيرانية التي تناولت هذا الحدث من زوايا سياسية واجتماعية ودينية متباينة، رأت فيه أغلبها تحولا في المزاج الأمريكي وصعودا لصوت المهاجرين والشباب، وانعكاسا لتراجع نفوذ التيار الموالي للرئيس دونالد ترامب.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام 

وركزت التغطيات على الخلفية الفكرية لـ ممداني، البالغ من العمر 34 عاما، باعتباره شيعيا وعضوا في الحزب الديمقراطي الأمريكي، وعلى خطابه الممزوج بين الاشتراكية الديمقراطية والإلهام الديني المستمد من ثورة الإمام الحسين وعاشوراء، وفق ما نقلته صحيفة “سازندكي” الإيرانية.
اشتراكي مُلهَم من عاشوراء
ذكرت صحيفة سازندكي أن ممداني استلهم دخوله إلى عالم السياسة ونضاله من أجل العدالة الاقتصادية في الولايات المتحدة من الإمام الحسين وثورة عاشوراء، معتبرة أن فوزه “يمثل انتصاراً لحركة اشتراكية جديدة تتغلغل في قلب الولايات المتحدة”.
وأضافت أن انتخابه يشكّل منعطفا مهما في السياسة الأمريكية، ويمنح دفعة قوية للحركة الاشتراكية التي كانت تُعد لسنوات طويلة هامشية أو أكاديمية.
كما أبرزت الصحيفة البعد الرمزي للفوز، بوصفه تجسيدا لتحولٍ في موقع المهاجرين والطبقة العاملة داخل النظام السياسي الأمريكي. 

كيهان: أول “لا” انتخابية في وجه ترامب
أما صحيفة كيهان الأصولية، فوصفت الانتخابات بأنها أول لا انتخابية لترامب خلال ولايته الثانية، مشيرة إلى أن فوز ممداني أثار انقساما حادا داخل المجتمع الأمريكي بين مؤيد يرى فيه رمزا للتغيير، ومعارض يعتبره تهديدا للهوية الأمريكية التقليدية.
وذكرت الصحيفة أن ممداني فاز بنسبة 56 في المائة من الأصوات ليصبح أول مسلم من أصول جنوب آسيوية يتولى منصب عمدة نيويورك، وأصغر من يشغل هذا المنصب منذ أكثر من قرن.
وأضافت أن الإعلام الجمهوري وترامب نفسه وصفاه بأنه “اشتراكي متطرف”، فيما حذّر ترامب من أن فوزه سيقود إلى خراب نيويورك، مهددا بقطع التمويل الفيدرالي عنها.
ونقلت الصحيفة عن محللين أن هذا الفوز قد يشكل بداية تحوّل سياسي في المدن الأمريكية الكبرى ويؤثر في انتخابات عام 2026 المقبلة.
فلسطين وإسرائيل في قلب الحدث
ركزت عدة صحف إيرانية على مواقف ممداني المؤيدة لفلسطين والمعادية للصهيونية، فذكرت كيهان ووكالة إيرنا أن ممداني كان قد صرح في مقابلة سابقة بأنه سيسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن زار نيويورك، وهو تصريح أثار “غضباً واسعاً” في الإعلام الإسرائيلي.
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت “العبرية” – كما نقلت عنها وسائل الإعلام الإيرانية – إن فوزه يدق ناقوس الخطر لإسرائيل، معتبرة أنه تطور مقلق يعكس تآكل الإجماع الأمريكي التقليدي حول دعم تل أبيب.
وأوردت الصحف الإيرانية تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي وصف انتخاب ممداني بأنه وصمة عار أبدية تمثل انتصار معاداة السامية على المنطق، واتهمه بأنه مؤيد لحماس وعدو لإسرائيل.
همشهري: الولايات المتحدة في مواجهة نفسها
في المقابل، رأت صحيفة همشهري أن الانتخابات الأخيرة كشفت انقسام الولايات المتحدة الداخلي، وكتبت تحت عنوان “أمريكا ضد أمريكا”: “إن فوز ممداني جاء نتيجة تحالف شعبي بين الطبقة العاملة والمهاجرين، في مواجهة منظومة سياسية تمثل مصالح الشركات الكبرى”.
وأضافت أن أكثر من مليوني ناخب شاركوا في التصويت، وهي أعلى نسبة منذ عام 1969، معتبرة أن هذه المشاركة “تعكس تصاعد الوعي السياسي بين المهاجرين والغضب من الحرب على غزة”.
وأشارت إلى أن فوز ممداني جاء في ذروة الغضب العالمي من المجازر الإسرائيلية في غزة، حيث أظهرت استطلاعات محلية أن نحو 39 في المائة من الناخبين اعتبروا موقفه من حرب غزة “الأكثر عدلا”، وأن ثلثي الشباب بين 18 و29 عاما أيّدوا مواقفه المناهضة للصهيونية.
كما ذكرت أن 43% من اليهود في نيويورك أعربوا عن معارضتهم للحرب على غزة وصوّتوا لممداني احتجاجا على موقف واشنطن المنحاز لإسرائيل.

آرمان ملي: المسلم الذي غيّر نيويورك
تناولت صحيفة آرمان ملي الإصلاحية الحدث من زاوية رمزية، فكتبت تحت عنوان “مسلم عمدةً لنيويورك”: إن انتخاب ممداني جاء كرسالة من المهاجرين والأقليات في مواجهة الخطاب المعادي لهم الذي تبنّاه ترامب خلال السنوات الماضية.
وسلّطت الصحيفة الضوء على نشأة ممداني المهاجر من أوغندا، ومسيرته السياسية التي بدأت بانتخابه نائبا في المجلس التشريعي لولاية نيويورك عام 2020.
وأشارت إلى برنامجه الانتخابي القائم على تقديم خدمات مجانية في النقل والحضانات، ودعم الطبقة العاملة بفرض ضرائب على الأثرياء.
واعتبرت الصحيفة أن تصريح ممداني بعد فوزه – حين قال لترامب: “نيويورك مدينة بُنيت بالمهاجرين، ومن الليلة سيقودها مهاجر” – يعكس ثقة جيل جديد يرى في التعددية مصدر قوة.

فوز ممداني في نيويورك مفارقة غريبة
في تعليق مطول، رأت صحيفة ابتكار أن فوز ممداني كان في يوم ما يبدو مستحيلا، لولا التغيرات العميقة التي طرأت على المجتمع الأمريكي.
وذكرت أن ترامب أطلق ضد ممداني حملة من الاتهامات وصلت إلى حد تهديده بقطع التمويل الفيدرالي عن المدينة، لكن الناخبين تجاهلوا التحذيرات واختاروا صوت التغيير.
وأشارت الصحيفة إلى أن المفارقة تكمن في انتخاب مناهض للصهيونية في مدينة تضم أكبر تجمع يهودي خارج إسرائيل، مضيفة أن العديد من الشباب اليهود صوّتوا له، في مؤشر على تراجع تأثير اللوبي الصهيوني التقليدي.

أما صحيفة آكاه فركّزت بدورها على الجانب الاجتماعي، معتبرة أن هزيمة ممداني لمنافسيه الجمهوريين تعكس احتجاجا شعبيا على تدهور مستوى المعيشة. 
ونقلت الصحيفة سيرة ممداني، مشيرة إلى أنه أحد الوجوه البارزة في تيار الاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين إلى جانب ألكساندريا أوكاسيو كورتيز.
وذكرت أن برنامجه الانتخابي القائم على خفض تكاليف السكن والتعليم والرعاية كان استجابة مباشرة لأزمات الطبقة العاملة.
خراسان: عصر جديد لنيويورك
أما صحيفة خراسان الأصولية فقد عنونت تغطيتها بـ “عصر جديد لنيويورك مع مهاجر مسلم”، معتبرة أن انتخاب ممداني يمثل هزيمة للشعبوية وتجاوزا لمرحلة الإسلاموفوبيا التي غذّاها ترامب.
ورأت أن سكان نيويورك لم يصوّتوا فقط لتغيير العمدة، بل لإعادة تعريف معنى القوة، مشيرة إلى أن الجيل الجديد من الناخبين أعاد رسم الخريطة السياسية للمدينة.

دلالات إيرانية لحدث أمريكي
تظهر قراءة مجمل التغطيات الإيرانية أن الصحف الإصلاحية مثل سازندكي وآرمان ملي تعاملت مع فوز ممداني بوصفه دليلا على انفتاح الولايات المتحدة على التعددية وتراجع اليمين الشعبوي، بينما رأت الصحف الأصولية كـ كيهان وخراسان في الحدث ضربة لترامب وحلفائه الإسرائيليين أكثر من كونه تحولا ليبراليا.
كما اتفقت معظم الصحف على أن المواقف المناهضة لإسرائيل لعبت دورا بارزا في صعود ممداني، وربطت بين نجاحه وبين تصاعد الغضب الشعبي العالمي من حرب غزة، معتبرة أن صناديق الاقتراع في نيويورك عكست مزاجا عالميا جديدا ضد سياسات تل أبيب وواشنطن.
من جهة أخرى، استحضرت التغطيات الإيرانية مفردات مألوفة في خطابها الداخلي، مثل “العدالة الاجتماعية” و”صوت المظلومين”، وربطت بين خطاب ممداني حول العدالة الاقتصادية وبين القيم الدينية في الثقافة الشيعية، في محاولة لتقديمه كنموذج يجمع الإيمان والمقاومة والاشتراكية.
في النهاية، يظهر أن انتخاب شاب مسلم من أصول مهاجرة لقيادة أكبر مدينة أمريكية لم يكن مجرد حدث محلي؛ بل تحوّل رمزي قرأته طهران كصفحة جديدة في علاقة الولايات المتحدة بنفسها – بين ديمقراطية تبحث عن تجديد، وإمبراطورية تحاول تبرير ماضيها.