أكد زعيم
التيار الوطني الشيعي السيد مقتدى الصدر، اليوم الجمعة، أن الانتخابات السياسية
تحتاج لكثرة الأصوات ، مشيرا إلى أن انتخابك لمن ليس أهلاً للانتخاب سيوصلك للفقر
والفساد.
وقال السيد
الصدر في الخطبة المركزية لصلاة الجمعة وتابعتها "وكالة فيديو
الاخبارية"، إن "انتخابك لمن ليس أهلاً للانتخاب سيوصلك للفقر والفساد
وانتخابك للصالح سينتج عليك الخير الوفير".
وأكد أن الانتخابات السياسية تحتاج لكثرة الأصوات
فكثرتها لله تعالى فيها نتائج وآثار إيجابية تكاملية.
ادناه نص الخطبة:
(انتخابِ
اللهِ)
ما أجملَ أنْ
ينحازَ الفردُ لربِّهِ ويختارَهُ وينتخبَهُ من بينِ الآخرينَ.. بمعنى أنَّهُ
يقدمُهُ على الآخرينَ في كلِ أفعالِهِ وتروكِهِ كما يعبرونَ، وأنْ تكونَ كلُ
حركاتِهِ وسكناتِهِ للهِ وفي اللهِ والى اللهِ وعلى اللهِ ومنَ اللهِ أيضاً.
فيكونُ منطلقُ الفردِ من اللهِ تعالى ومنتهاهُ الى اللهِ تعالى، وما بينَهما أيضاً
لهُ جلَّ جلالُهُ خالصاً من دونِ الآخرينَ، وأنْ لا يكونَ مصداقاً لقولِهِ تعالى:
((وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
(الزّمر:45))). فمنَ المعيبِ والمخجلِ أن تتشبثَ نفسُكَ وتجنحَ الى الدنيا
ومغرياتِها والى سلاطينِها وحكّامِها وأموالِها وانتخاباتِها وسياستِها وملذاتِها
وشياطينِها متناسياً اللهَ سبحانَهُ وتعالى فتكونُ مصداقاً لقولِهِ تعالى: ((وَلَا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ (الحشر:19))). فإنَّكَ إذا أخلدتَ الى فراشِكَ وتسلطَ عليكَ النومُ
وتغافلتَ عن صلاةِ الليلِ فضلاً عن صلاةِ الفجرِ، فإنَّكَ قد اخترتَ الدنيا
وانتخبتَها من دونِ اللهِ، أمَّا إذا لم تمنعْكَ لذةُ النومِ عن أدائِهما فأنتَ
ممن أخترتَ اللهَ من دونِ الآخرينَ وانتخبتَهُ، أو أنَّكَ ذهبتَ لمشاهدةِ مباراةِ
كُرةِ قدمٍ وتركتَ الذهابَ الى صلاةِ الجمعةِ الواجبةِ فإنَّكَ قد أخترتَ الدنيا
وتناسيتَ اللهَ فيُنسيكَ نفسَكَ. فالعبادةُ والطاعةُ يعني أنَّكَ ممن أختارَ اللهَ
وأنتخبَهُ. ثُمَ لتعلمَ عزيزي المؤمن، كما أنَّ (الانتخاباتِ السياسيةَ) تحتاجُ
الى كثرةِ الأصواتِ.. فإنَّ كثرةَ الأصواتِ للهِ سبحانَهُ وتعالى فيها نتائجٌ وآثارٌ
إيجابيةٌ تكامليةٌ بلْ وتُبعدُ الآثارَ السلبيةَ التسافليةَ، فكلما زادتْ الطاعاتُ
ازدادتْ الآثارُ الإيجابيةُ وتزدادُ رحمةُ اللهِ ونعمتُهُ وألطافُهُ.. وإن قلّتْ
الطاعاتُ قلّتْ تلكَ الآثارُ الإيجابيةُ وازدادتْ الآثارُ السلبيةُ والبلاءاتُ من
حروبٍ وأوبئةٍ وزلازلٍ،
حتى وردَ: عن
الإمامِ الصادقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قالَ: (إذا فشتْ أربعةٌ ظهرتْ أربعةٌ: إذا
فشا الزنا ظهرتْ الزلازلُ، وإذا أُمسكتْ الزكاةُ هَلكتْ الماشيةُ، وإذا جارَ
الحكَّامُ في القضاءِ أمسكَ القطرُ من السماءِ، وإذا خفرتْ الذمّةُ نُصرَ
المشركونَ على المسلمينَ). ومن هنا نعلمُ أنَّ للعبادةِ الفرديةِ نتائجَ وآثاراً
فرديةً إيجابيةً على نفسِ الفردِ الذي يأتي بالعبادةِ، وآثاراً فرديةً على نفسِ
الفردِ التاركِ للعبادةِ كالصلاةِ والزكاةِ والصومِ وما إلى غيرِ ذلكَ من
الواجباتِ. فإنَّنا في نفسِ الوقتِ نعلمُ أَنَّ للعبادةِ الفرديةِ آثاراً جَماعيةً
مجتمعيةً إنْ جازَ التعبيرُ، فكثرةُ العبادةِ أو قُلْ كثرةَ المصلينَ أو الصائمينَ
يعني أنَّ المنطقةَ الفلانيةَ قد اختارتْ اللهَ وانتخبَتْهُ وقدمتْهُ على ملذاتِها
وشهواتِها وشياطينِها.. وهذا يعني أنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى سيُنزلُ رحمتَهُ
وبركاتَهُ على تِلْكُم المنطقةِ.. والعكسُ صحيحٌ. ومن هنا قالَ تعالى: ((لَقَدْ
كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا
مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (سبأ:15)))
فتِلْكُم البلدةُ كانَ أهلُها في طاعةٍ، فلما تركوا الطاعةَ، قالَ اللهُ تعالى:
((فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ
بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ
سِدْرٍ قَلِيلٍ (سبأ:16)))، وهي كقولِهِ تَعالى: ((وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ
الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل
لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (النساء:75)))، والقريةُ الظالمُ أهلُها هي القريةُ
التي خلتْ من ذكرِ اللهِ تعالى وطاعتِهِ، بلْ استَحَبُّوا الحياةَ الدُنْيَا على
الآخرةِ وعلى طاعةِ اللهِ.. فانتَخبُوا الشيطانَ كما فعلَ (آلُ لوطٍ) حينما طَردوا
المتطهرينَ، فقدْ قالَ تعالى: ((وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا
أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
(الأعراف:82))). فما كانَ من اللهِ تَعالى إلَّا أنْ قالَ: ((وَأَمْطَرْنَا
عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ
(الأعراف:84))). فكلُهُم اسْتَحَبُّوا واختاروا الدنيا، وكانوا مصداقاً لقولِهِ
تَعالى: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى
الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (النحل:107))). بلْ
وقولُهُ تَعالى: ((وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى
عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ (فصّلت:17))). فابتلاهُم اللهُ تَعالى بعذابِ الهونِ والذلةِ
والتبعيةِ والفقرِ والشتاتِ والأوبئةِ وما شاكلَ ذلكَ. فإنَّ الخطوةَ الأولى منِ
العبدِ والباقي على الربِّ، فاسعَوا الى اللهِ وأيامِ اللهِ، فقد قالَ تَعالى:
((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت:69))). فالمقصودُ في الجهادِ هنا لا جهادُ الكفارِ فحسب،
بل هوَ جهادُ النفسِ واتخاذُ سبيلِ العبادةِ والطاعةِ.. ومعهُ فإنَّ اللهَ
سَيهديهِم الى سُبلِهِ الدنيويةِ والأخرويةِ أيضاً. وحسبُ فهمي، فإنَّ العبادةَ
ستكونُ ذاتُ طابعٍ تكافلي، بمعنى أنَّ عبادةَ الفردِ تكفلُ عبادةَ المجتمعِ في
تكاملِهِ وهدايتِهِ وفي رضا اللهِ تعالى عن المجتمعِ، فكلّما صلّى عبدٌ وأطاعَ
اللهَ كانَ لعبادتِهِ وطاعتِهِ الأثرُ الفاعلُ في نفسِهِ وفي مجتمعِهِ أثراً
إيجابياً تكاملياً، كما أنَّ كلَّ فردٍ تركَ ذكرَ اللهِ وطاعتَهُ وعبادتَهُ
كالصلاةِ والصومِ كانَ لذلكَ أثرٌ سلبيٌ فاعلٌ في جلبِ الغضبِ الإلهي وبلائِهِ
عليهِ وعلى مَنْ حولَهُ. ولذا فإنَّ ما يدورُ بينَ الشبابِ، حينما تقولُ لهُ لماذا
لا تُصلي أو لا تصومُ؟ يكونُ جوابُهُ: (ظَلَّتْ عليَّ).. أمرٌ وجوابٌ خاطئٌ بمعنى
منَ المعاني. نَعمْ: (ظَلَّتْ عليك).. فإنْ صَلَّيتَ وصُمتَ وذَكرتَ اللهَ
وأَطعتَهُ.. فقد كثَّرتَ من الطاعةِ وقللتَ من البلاءِ والابتلاءِ كما أنَّكَ إذا
عصيتَ فقدْ تَسببتَ ببلاءِ الآخرينَ ولو بدرجةٍ معينةٍ، فلا تحسبْ نفسَكَ جُرماً
صغيراً وقد انطوى فيكَ العالَمُ الأكبرُ. أفلا تعلمُ أنَّ (رفيفَ الفراشةِ) يؤثرُ
على العالَمِ!؟ فكذلكَ أنتَ كفراشةٍ تحومُ حولَ نورِ اللهِ.. فاللهُ نورُ
السماواتِ والأرضِ. وكلُّ ذلكَ كانتخابِكَ لمنْ ليسَ أهلاً للانتخابِ سيوصلُكَ
للفقرِ والفسادِ، وانتخابُكَ للصالحِ سَينتجُ عليكَ الخيرَ الوفيرَ، فكذلكَ
(انتخابُكَ للهِ) يُنتج رحمةً وبركةً، كما قالَ تعالى: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
(الأعراف:96))). فكنْ مِنَ المؤمنينَ المتقينَ ولا تكُنْ منَ المكذبينَ العاصينَ.
وآخرُ دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.