حين لا تعود السماء آمنة، تبني الدول قوتها في عمق الأرض، وفي إيران، لم تعد المدن تُبنى للسكن فقط، بل أصبحت حصونًا من الإسمنت والصمت، تخفي خلفها صواريخ بعيدة المدى، وأنظمة إطلاق ذكية، وأوامر تنتظر لحظة المواجهة.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
"المدن الصاروخية الإيرانية" لم تعد مجرّد مشروع دفاعي، بل تحوّلت إلى عقيدة استراتيجية، تُرعب إسرائيل وتربك حسابات كل من يفكر بالمواجهة.
هي مدن لا تظهر على الأقمار الصناعية، لا تُقصف، ولا تُخترق… مدنٌ يخرج منها اللهب إذا اشتعلت المعركة.
في هذا التقرير، نفتح ملف هذه القلاع المدفونة، ونكشف:
من صاحب فكرة المدن الصاروخية؟
كيف تحوّلت من أنفاق بدائية إلى منظومة ردع عابرة للحدود؟
ولماذا أصبحت الصواريخ تحت الأرض هي الكلمة الأخيرة في ميزان القوة الإقليمية؟
فجر يوم الجمعة 13 يونيو الماضي، قامت إسرائيل بهجوم فاضح، وأسفر عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين وعدة مدنيين إيرانيين، كما استهدف بعض المدن والمنشآت العسكرية.
ردًا على ذلك، أعلنت القوات الجوفضائية التابعة لحرس الثورة الإسلامية مساء نفس اليوم، عبر بيان، عن بدء عملية "الوعد الصادق 3" برمز "يا علي بن أبي طالب (ع)".
استمرت هذه العملية لمدة 12 يومًا في 22 مرحلة، وخلالها تم استهداف أكثر من 26 هدفًا استراتيجيًا، خاصة المراكز العسكرية والأمنية التابعة للجيش الإسرائيلي، بواسطة الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، وذلك ردًا على ما قامت به إسرائيل.
القدرة الإيرانية التي اعترف بها الأعداء
أهم قدرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المجال العسكري هي استخدام الصواريخ الباليستية بعيدة المدى والدقيقة، والتي تمكنت من تدمير مجموعة واسعة من الأهداف العسكرية داخل إسرائيل.
أدت 22 موجة من العمليات الصاروخية والمسيرة الإيرانية ضد إسرائيل إلى أن يتحول العالم بأسره، خاصة سكان تلك المناطق، مضطرين وليس عن رغبة، إلى وسائل الإعلام الإيرانية، حيث نقلوا صور إصابات الصواريخ الإيرانية الناجحة في أنحاء إسرائيل.
المدينة التي لم تُفتح أبوابها بعد
القوات الجوفضائية التابعة لحرس الثورة الإسلامية، التي كانت رأس الحربة في الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل، لديها أفكار مختلفة في هذا المجال. إحدى هذه الأفكار هي المدن الصاروخية، التي تم الكشف عن أولها قبل سنوات.
كشف حرس الثورة الإسلامية لأول مرة في شهر مهر 1394 (أكتوبر 2015) عن مدينة صاروخية تقع على عمق 500 متر تحت الأرض، وأعلن أن القواعد الصاروخية منتشرة في جميع المحافظات.
وقال العميد علي فضلي، نائب منسق حرس الثورة الإسلامية، مساء يوم أمس الخميس في مقابلة خاصة إخبارية: "لم نفتح بعد أحد مدننا الصاروخية"، جزء من قدراتنا الصاروخية تم استخدامها من القواعد والمراكز الموجودة، ولكن هذه القدرة، بفضل الله، في حالة جيدة جدًا.
فكرة المدن الصاروخية الإيرانية تعود لمن؟
ناصر كاوه، رفيق درب أمير علي حاجي زاده، القائد السابق لسلاح الجوفضاء التابع للحرس، والذي كتب كتابًا عنه بعد وفاته، يقول إن اللواء حاجي زاده كان أول من بدأ فكرة المدن الصاروخية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكان مؤسسها. بدأ العمل مع عدة شباب؛ في البداية بنوا الأنفاق والمخابئ، ثم تدريجيًا تشكلت المدن، وذلك بمعدات أولية وميزانية محدودة جدًا.
وفقًا لرفيق حاجي زاده، فإن موضوعًا ربما نطرحه الآن لأول مرة، وقد تم طرحه عدة مرات من قبل اللواء حاجي زاده أيضًا، هو بناء صوامع إطلاق الصواريخ، التي كان مؤسسها هو حاجي زاده نفسه. هناك عدة دول مثل روسيا وأمريكا والصين وكوريا الشمالية لديها مثل هذه الصوامع، ولكن لا أعتقد أن الدول الأوروبية لديها شيء مماثل.
ويضيف كاوه: خلال إحدى زياراته إلى كوريا الشمالية، لاحظ حاجي زاده هذه الفكرة، وجلب هذه الفكرة الأولية إلى البلاد، ولكن لم يكن هناك كتاب أو صورة عنها. عزم حاجي زاده على جمع مجموعة من الشباب وإنجاز تصميم صوامع إطلاق الصواريخ .. شيء يعتبر بمثابة تأمين للبلاد.
ويقول ناصر كاوه: مثل منشأة فردو، التي تقع تحتها منشآت نووية ولا يمكن قصفها، فإن صوامع الصواريخ مشابهة؛ يتم وضع المنصة هناك، تتحرك الغطاء جانبًا، يتم الإطلاق، ثم يُغلق الغطاء مرة أخرى. هذه الفكرة كانت في ذهن حاجي زاده وتمكن من تنفيذها. ولكن الأهم من ذلك كله كانت صعوبة اختبار هذا المشروع؛ لأنه لم يتم تنفيذه من قبل في إيران، ولم يكن هناك أي سابقة أو معرفة أجنبية متاحة لنا.
ويضيف: كان هناك شك من بعض القادة، وكان البعض خائفين، لأن الصاروخ يصدر صوتًا عاليًا جدًا عند الإطلاق، يشبه صوت طائرة 747، وإذا لم يتم التحكم في الدخان وصوت الخروج، فقد ينفجر الصاروخ. كان هناك قلق وتوتر، ولكن شجاعة حاجي زاده ظهرت هنا. في الليلة المقررة فيها الاختبار، عندما كان التوتر سائدًا، عاد حاجي زاده إلى مجموعة القادة وقال: "سآتي مع عائلتي خلف غرفة التحكم، وسنطلق معًا". هذه الجملة منه مشهورة جدًا.
في ذلك الوقت، قام الحاج حسن طهراني مقدم والسيد قاليباف، الذي كان قائد سلاح الجو في الحرس، بالمشاركة، والحمد لله في اليوم التالي، بمساعدة الله تعالى، كان الاختبار ناجحًا، وانضممنا إلى نادي الدول التي تمتلك صوامع صاروخية؛ قدرة تمتلكها أقل من خمس دول. هذا الإنجاز كان مؤسسه حاجي زاده.
ما هي مزايا المدن الصاروخية الإيرانية؟
1. زيادة قدرة البقاء والأمن التسليحي:
المدن الصاروخية تحت الأرض تزيد بشكل كبير من حماية الصواريخ والمعدات العسكرية ضد الهجمات الجوية والصاروخية.
2. تعزيز القدرة الردعية والاستجابة السريعة:
تضمن هذه المدن القدرة على تنفيذ ردود فعل سريعة وفعالة في حال وقوع أي هجوم، ما يشكل عامل ردع لأي تهديد.
3. مرونة أكبر في الاستراتيجية الدفاعية:
توفر هذه القواعد مرونة في نقل الصواريخ وتغيير مواقعها، ما يزيد من تعقيد مهمة الرصد والهجوم على إيران.
4. التخزين والصيانة طويلة الأجل:
توفر بيئة محمية وثابتة تحافظ على الصواريخ وتطيل عمرها، وتضمن جاهزيتها الدائمة دون الحاجة إلى صيانة متكررة.
المدن الصاروخية مفتاح الدفاع عن إيران
تلعب المدن الصاروخية دورًا محوريًا في تعزيز الدفاعات الإيرانية، حيث تضمن الجاهزية السريعة والنشر الآمن للصواريخ بعيدة المدى والدقيقة. هذه البنية التحتية، إلى جانب مدن الطائرات المسيّرة والصواريخ التي أُنشئت على سواحل الخليج، ترفع من الجهوزية العملياتية للقوات الإيرانية وتوجه رسالة واضحة لإسرائيل عن استعداد إيران الكامل لمواجهة أي تهديد.