كشفت بيانات موقع نومبيو (Numbeo) المختص برصد تكلفة المعيشة ومستوى الرواتب وجودة الحياة حول العالم، في تحديثه لشهر يوليو/ تموز 2025، عن فجوات صارخة في متوسط الراتب الشهري بعد الضرائب
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام.
وتصدرت سويسرا القائمة براتب يبلغ 7416 دولارا، بينما تذيلت دول مثل مصر وسورية المؤشر بأرقام تقل عن 150 دولارا شهريا.
وتبرز هذه الفجوة كأحد أبرز ملامح اختلال توزيع الثروة عالميا، ما يطرح تساؤلات حول مدى عدالة النظام المالي العالمي، ودور السياسات الداخلية في تحسين أو تدهور مستويات المعيشة.
وبحسب البيانات بلغ متوسط صافي الراتب الشهري في سويسرا أعلى مستوى عالميا بقيمة 7416 دولارا، وهي الدولة الوحيدة التي تجاوزت حاجز الـ7000 دولار. ويعكس هذا الرقم ليس فقط ارتفاع الأجور الاسمية، بل قوة الاقتصاد السويسري، وانخفاض معدلات الضرائب على الأجور مقارنة بالخدمات الاجتماعية المقدمة. كما تتسم سوق العمل السويسري بالكفاءة العالية والطلب المرتفع على المهارات، وهو ما يرفع من تنافسية الوظائف ويزيد من المردود المالي للموظفين.
وفي المرتبة الثانية جاءت لوكسمبورغ بمتوسط راتب قدره 5538 دولارا، تليها آيسلندا بـ4560 دولارا وسنغافورة بـ4347 دولارا، والولايات المتحدة بـ4315 دولارا. وتضم قائمة الدول العشر الأولى كلا من الدنمارك، هولندا، النرويج، هونغ كونغ، وقطر. اللافت أن معظم هذه الدول تتبع نماذج اقتصادية تجمع بين الرفاه الاجتماعي والاقتصاد الحر، مع حرص على إبقاء العبء الضريبي عند مستويات تقلل من استنزاف الأجور.
أما الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا (3360 دولارا)، وفرنسا (2794 دولارا)، والمملكة المتحدة (3215 دولارا) فجاءت خارج المراتب الخمس الأولى، رغم قوتها الاقتصادية. ويعود ذلك إلى ارتفاع مستويات الضرائب الاجتماعية والتأمينات، ما يقلل من صافي الراتب الشهري، غير أن هذه الدول تعوض الفجوة في الدخل بوجود خدمات عامة عالية الجودة مثل الصحة والتعليم والنقل، ما يخفف من الأعباء الفردية المباشرة على المواطن.
وتتصدر قطر ترتيب دول مجلس التعاون الخليجي من حيث متوسط الراتب الشهري الصافي، إذ يبلغ وفق بيانات نومبيو نحو 3602 دولار، وهو الأعلى في المنطقة، ويعكس الفائض المالي الكبير والضريبة المنخفضة وسياسات التوظيف السخية تليها الكويت بمتوسط دخل يبلغ 3075 دولارا، ثم الإمارات بـ3067 دولارا، حيث تتميز الأخيرة بتنوع اقتصادي أوسع، لا سيما في قطاعات العقارات والطيران والخدمات.
وتأتي سلطنة عمان في المرتبة الرابعة خليجيا براتب متوسط قدره 2279 دولارًا، تليها البحرين بـ2194 دولارًا، ثم السعودية في المرتبة السادسة خليجيا بمتوسط دخل يبلغ 2160 دولارا رغم قوتها الاقتصادية وسوقها الكبير.
ويعزى انخفاض ترتيب السعودية نسبيا إلى ارتفاع عدد السكان وتفاوت الأجور بين القطاعات، مقارنة بدول خليجية أقل عددا وأكثر سخاء في نظام الأجور.
في ما يتعلق بالدول العربية غير الخليجية، تصدرت فلسطين هذه المجموعة بمتوسط راتب شهري صافٍ بلغ نحو 733 دولارا وهو الأعلى ضمن هذا التصنيف، رغم التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها. يليها لبنان بمتوسط راتب يبلغ 561 دولارا، وهو رقم لا يعكس الواقع الفعلي لانهيار العملة والتضخم، بل يشير إلى الفجوة بين الرواتب في القطاع الخاص والعملات الأجنبية مقارنة بالقطاع العام.
وجاء العراق في المركز الثالث بين الدول العربية غير الخليجية، بمتوسط دخل قدره 555 دولارا، رغم امتلاكه ثروات نفطية كبيرة، ما يعكس سوء توزيع الموارد وغياب الاستقرار الإداري.
أما مصر، فاحتلت مرتبة متأخرة بمتوسط دخل لا يتجاوز 146 دولارا شهريا، في ظل تضخم مرتفع وتآكل حاد للقوة الشرائية للجنيه المصري. فيما جاءت سورية في قاع الترتيب العربي كأدنى دخل مسجل على الإطلاق، بمتوسط لا يتعدى 47 دولارا شهريا، وهو ما يبرز واقع الانهيار الاقتصادي شبه الكامل وغياب أي منظومة تعويضية تحمي الدخل الفردي في ظل الحرب والعقوبات وانهيار سعر الصرف يلاحظ أن اليمن لم يدرج في تصنيف نومبيو، ما يعكس حالة الانهيار المالي والإداري بفعل الحرب وتوقف النشاط الاقتصادي في مناطق واسعة من البلاد.
في تصنيف دول المغرب العربي، جاءت تونس في الصدارة من حيث متوسط الراتب الشهري الصافي، إذ بلغ نحو 574 دولارًا، ما يضعها في مرتبة متقدمة نسبيًا بين الدول العربية غير الخليجية. ويُعزى هذا إلى استقرار نسبي في القطاع المصرفي وتزايد الاعتماد على القطاعات التكنولوجية والخدمات.
أما الجزائر فجاءت بمتوسط دخل شهري يقدر بـ370 دولارًا تقريبًا، مدعومًا بعوائد الطاقة، لكنه متأثر بجمود سوق العمل وضعف التنويع الاقتصادي.
أما المغرب فقد بلغ متوسط الراتب فيه نحو 340 دولارا مع تفاوت ملحوظ بين الأجور في القطاعات الحكومية والمدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط مقارنة بالمناطق الريفية. وتظهر هذه المؤشرات أن دول المغرب العربي تقع في منتصف الترتيب العربي من حيث الدخل، مع تحديات مستمرة تتعلق بضعف القدرة الشرائية، البطالة المرتفعة وعدم كفاية الأجور لمواكبة تكاليف المعيشة.
دول عربية خارج التصنيف
غاب اليمن عن تصنيفات نومبيو الرسمية، نتيجة لانهيار النظام المصرفي، وتعدد السلطات، وغياب آليات إحصائية موحدة لجمع البيانات. ومع ذلك، تشير تقديرات منظمات دولية إلى أن متوسط الراتب الشهري في اليمن لا يتجاوز 30 إلى 70 دولارا، ما يضعه فعليا في مرتبة توازي سورية أو تقل عنها.
كما لم تظهر ليبيا في التصنيف على الأرجح بسبب الانقسام السياسي وضعف مصادر البيانات الرسمية لكن التقديرات غير الرسمية تضع دخلها الشهري في حدود 200 إلى 300 دولار. وكذلك جاءت موريتانيا خارج التصنيف أيضا نتيجة نقص البيانات الاقتصادية الدقيقة لكن التقديرات الدولية تشير إلى متوسط راتب لا يتجاوز 150 إلى 180 دولارا شهريا. وتؤكد هذه الفجوات أن بعض الدول العربية قد خرجت مؤقتا من القدرة على قياس الحد الأدنى من الحياة الاقتصادية المنظمة.