أثار توقيع اتفاق مائي جديد بين العراق وتركيا جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية، بعد أن اعتبر مراقبون أن الاتفاق "يتضمن تنازلات خطيرة" من جانب الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، تصل إلى حد "تسليم ملف المياه بالكامل إلى أنقرة".
وجاء الاتفاق في إطار تفاهمات ثنائية تهدف إلى "إدارة مشتركة" لمياه نهري دجلة والفرات، وضمان حصة عادلة للعراق، إلا أن الصيغة التي تم الكشف عنها أثارت موجة من الانتقادات، خصوصاً مع استمرار تركيا في بناء السدود وتحويل مجاري الأنهار دون التزام واضح بحصة العراق المائية.
الاتفاق يربط المياه بالنفط
كشفت وسائل إعلام تركية عن أن حكومة السوداني وافقت على ربط ملف المياه بالنفط، عبر اتفاق يسمح لتركيا بالحصول على عوائد من مبيعات النفط العراقي مقابل إدارة ملف المياه.
وبحسب وكالة الأنباء التركية الرسمية، فإن اتفاق التعاون الإطاري بين العراق وتركيا ينصّ على قيام الشركات التركية بإدارة وتحديث وتشييد البنى التحتية المائية داخل العراق، بتمويل يعتمد على عوائد مبيعات النفط العراقي، مقابل إطلاقات مائية تركية لنهري دجلة والفرات.
ويرى مراقبون أن هذا الاتفاق يعني عملياً أن حكومة السوداني منحت موارد العراق النفطية مقابل مياه تُعدّ حقاً طبيعياً للعراقيين، وليست منّة من أحد، معتبرين أن بغداد تشرعن بهذا التفاهم هيمنة أنقرة على القرار المائي وتحوّل قضية سيادية إلى صفقة تجارية.
تحذيرات من مختصين في المياه
قال مختصون في شؤون الموارد المائية إن "الاتفاق الأخير لا يتضمن أي ضمانات فنية أو قانونية تُلزم تركيا بإطلاق كميات محددة من المياه"، مشيرين إلى أن "العراق دخل مرحلة خطيرة من الاعتماد على الجانب التركي، وهو ما قد ينعكس سلباً على الأمن المائي والغذائي للبلاد".
وأضاف المختصون أن "مصطلح الإدارة المشتركة للمياه" قد يُستخدم كغطاء سياسي لتبرير خضوع القرار المائي العراقي للتأثير التركي، داعين الحكومة إلى الكشف الكامل عن بنود الاتفاق أمام البرلمان والرأي العام.
تنازلات سياسية مقابل مكاسب مؤقتة
ويرى مراقبون للشأن السياسي أن الاتفاق المائي بين بغداد وأنقرة يأتي في سياق صفقة أوسع تشمل ملفات أمنية واقتصادية، حيث تسعى تركيا لتأمين مصالحها في شمال العراق مقابل وعود بتقاسم الموارد المائية.
وأوضح المراقبون أن "الحكومة العراقية اختارت التهدئة مع تركيا على حساب السيادة المائية، في وقت تعاني فيه مناطق واسعة من الجنوب من الجفاف ونقص المياه الصالحة للزراعة". وأضافوا أن "أنقرة استغلت حاجة بغداد إلى تحسين العلاقات الاقتصادية لتفرض شروطها، وهو ما يثير القلق من أن تكون المياه ورقة ضغط بيد تركيا لسنوات قادمة".
ردود فعل شعبية وبرلمانية
في المقابل، عبّر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم من "التنازل عن حقوق العراق المائية"، مؤكدين أن ما جرى "يمثل تفريطاً بثروة وطنية لا تقل أهمية عن النفط".
كما طالب عدد من أعضاء مجلس النواب الحكومة بتوضيح بنود الاتفاق، ودعوا إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للتأكد من أن الاتفاق لا يمس السيادة الوطنية أو الحصص المائية المقررة للعراق وفق القوانين الدولية.