Weather Data Source: 30 days weather Baghdad
بغداد
عاجل

مرصد حقوقي يكشف عن تحفظات جوهرية بشأن قرارات مفوضية الانتخابات في العراق

#
كاتب 3
9/11/2025 | 03:19 PM

أكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان (IOHR)، يوم الأحد، إن العملية الانتخابية في العراق لعام 2025 تشهد ممارسات مقلقة تتعلق بقرارات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باستبعاد عدد من المرشحين بعد إعلان القوائم النهائية.

وقال المرصد، في بيان نشره على موقعه واطلعت عليها وكالة فيدو الإخبارية، إن الإجراءات تفتقر إلى الوضوح القانوني والشفافية الإجرائية، وتمسّ مبدأ العدالة الانتخابية الذي يُعدّ أحد أركان المشاركة السياسية في النظام الديمقراطي.

وأضاف أن توسّع المفوضية في تفسير صلاحياتها بعد المصادقة على قوائم الترشيح النهائية يمثّل إشكالية قانونية خطيرة، ويثير تساؤلات حول مدى التزامها بالمعايير الدستورية والقانونية التي تضمن المساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين، فمنذ عام 2003، شكّلت الانتخابات في العراق محوراً أساسياً في إعادة بناء النظام السياسي، إلا أن ثقة المواطنين بسلامة العملية الانتخابية ظلّت محدودة بسبب ما شابها من مخالفات إدارية وقانونية متكررة.

وتابع المرصد: "في كل دورة انتخابية تقريباً، يبرز الجدل حول قرارات استبعاد المرشحين، وغالباً ما تُفسّر هذه القرارات على أنها نتيجة لضغوط سياسية أو تدخلات غير معلنة في عمل المفوضية، ما ينعكس سلباً على شفافية العملية الانتخابية واستقلاليتها، وفي ظل غياب الأطر الزمنية الدقيقة للفصل في أهلية المرشحين، تتزايد المخاوف من أن تتحول هذه الصلاحيات إلى أدوات إقصاء أو تقييد للترشح، بما يتعارض مع نص المادة (20) من الدستور العراقي التي تضمن للمواطنين حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح.

وأشار إلى أن "قانون الانتخابات رقم (12) لسنة 2018 المعدل ينظم شروط الترشح وآليات التحقق من استيفائها. فقد اشترطت المادة (7) من القانون أن يكون المرشح عراقياً كامل الأهلية، أتمّ الثلاثين من عمره، حسن السيرة والسلوك، غير محكوم بجناية أو جنحة مخلة بالشرف، وغير مشمول بإجراءات المساءلة والعدالة، وأن يكون حائزاً على شهادة جامعية أو ما يعادلها".

كما ألزمت المادة (8/أولاً) المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإرسال قوائم المرشحين إلى الوزارات والهيئات الرقابية (التعليم العالي، الداخلية، الدفاع، التربية، هيئة المساءلة والعدالة، هيئة النزاهة، وغيرها) للبتّ فيها خلال (15) يوماً من تاريخ استلامها، وفقاً للمرصد، إلا أن القانون لم يحدد صلاحيات المفوضية بعد المصادقة النهائية على قوائم الترشيح، ما خلق ثغرة قانونية تسمح لها بإلغاء ترشيحات أو استبعاد مرشحين حتى في مراحل متقدمة من العملية الانتخابية دون وجود إطار زمني محدد.

واعتبر المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أن هذا القصور التشريعي يمسّ مبدأ استقرار المراكز القانونية للمرشحين ويهدد تكافؤ الفرص الانتخابية ويضعف ثقة المواطنين بالمؤسسات الانتخابية.

كما وثّق حالات متعدّدة ألغت فيها المفوضية مصادقة ترشيح عدد من المرشحين بعد إعلان القوائم النهائية، مستندةً إلى تبريرات تتعلق بـ "حسن السيرة والسلوك"، دون وجود أحكام قضائية نهائية أو أدلة رسمية تدعم هذه القرارات.

وفي بعض الحالات، لجأ المرشحون المستبعدون إلى الهيئة القضائية للانتخابات، التي ألغت قرارات المفوضية وأعادت بعضهم إلى السباق الانتخابي، كما حصل في حالتي المرشح سجاد سالم والمرشح حسين عرب، وفي حالات أخرى، اكتفت المفوضية بفرض غرامات مالية بدلاً من الإقصاء، ما كشف عن غياب معايير موحدة في تطبيق القوانين وتفاوت في أسس المحاسبة بين المرشحين.

كما لاحظ المرصد، بحسب البيان، أن بعض قرارات المفوضية صدرت بعد بدء الحملات الانتخابية، وهو ما ألحق ضرراً فعلياً بفرص المرشحين المتضررين، وخلق أزمة قانونية وأخلاقية تتعلق بمبدأ المساواة بين المنافسين.

وأوضح أن قرارات الاستبعاد المتأخرة تتعارض مع التزامات العراق بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 25) التي تؤكد على حق كل مواطن في المشاركة في الحياة العامة دون قيود غير مبرّرة، كما تتناقض مع مبادئ لجنة فينيسيا الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون التي تشترط وضوح التشريعات الانتخابية واستقرارها قبل مدة كافية من الاقتراع.

ولفت المرصد، إلى أن الاستناد إلى معيار |حسن السيرة والسلوك" دون تحديد معايير قانونية دقيقة يفتح المجال أمام التفسير الذاتي والانتقائي، ويجعل المفوضية عرضة للاتهام باستخدام صلاحياتها في إطار غير متوازن، مبيناً أن الاستقلال المؤسسي للمفوضية هو أحد الركائز الأساسية لضمان نزاهة الانتخابات، وأن أي تدخل سياسي أو إداري في قراراتها يقوّض ثقة الناخبين ويؤثر على سلامة التمثيل الديمقراطي.

بدوره، قال رئيس المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون، إن قرارات المفوضية باستبعاد مرشحين بعد المصادقة على قوائمهم "تُضعف مبدأ العدالة الانتخابية وتتناقض مع الدستور العراقي الذي كفل حق الترشح لجميع المواطنين دون قيود غير قانونية".

وأضاف سعدون أن "المفوضية مطالبة بتحديد إطار قانوني زمني واضح لصلاحياتها في الاستبعاد، وإخضاع قراراتها للمراجعة القضائية الإلزامية قبل أن تصبح نافذة".

وأكد أن "العدالة الانتخابية لا تتحقق بسلامة يوم الاقتراع فقط، بل تبدأ من نزاهة كل مرحلة من مراحل العملية، وأولها مرحلة الترشيح والمصادقة".

إلى ذلك، رأى المرصد أن ممارسات الاستبعاد غير المقيدة زمنياً تضعف ثقة الناخبين بالعملية الانتخابية، وتؤثر على نسبة المشاركة الشعبية، وتخلق بيئة غير مستقرة تتيح فرصاً للتأثير غير المشروع في نتائج الانتخابات، كما أن غياب الوضوح في قرارات المفوضية يجعل من الصعب مراقبتها أو محاسبتها، ما ينعكس سلباً على استقلالها المؤسسي وسمعة العملية الديمقراطية في البلاد.

واستطرد المرصد، قائلاً إن حماية نزاهة الانتخابات لا تتحقق إلا من خلال تطبيق صارم ومحدد للقانون، ومساءلة المفوضية أمام القضاء والبرلمان والمجتمع المدني، بما يضمن الشفافية والمساواة لجميع المرشحين.

وأوصى المرصد العراقي لحقوق الإنسان، تعديل قانون الانتخابات رقم (12) لسنة 2018 المعدّل لتحديد مدد زمنية واضحة لقرارات الاستبعاد بعد المصادقة النهائية على الترشيحات، وإلزام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بتسبيب قراراتها وإعلانها للرأي العام بشكل رسمي وشفاف، فضلاً عن ربط قرارات الاستبعاد بقرارات قضائية نهائية فقط، وعدم السماح باتخاذها استناداً إلى تقييمات إدارية أو أمنية غير موثقة، بالإضافة إلى تحديد معايير قانونية واضحة لعبارة “حسن السيرة والسلوك”، وربطها بالأحكام القضائية الصادرة لا بالتقارير الشخصية أو الأمنية.

ولفت إلى أهمية اعتماد مبدأ التدرج في العقوبات، بحيث لا يُصار إلى استبعاد المرشح إلا بعد استنفاد الإجراءات القانونية الأقل ضرراً، فضلاً عن تفعيل الرقابة البرلمانية والقضائية والمجتمعية على أداء المفوضية وتعزيز الشفافية في قراراتها.

ووفقاً للمرصد، فإن ضمان العدالة الانتخابية يتطلب وضوحاً قانونياً وحياداً مؤسسياً كاملاً في أداء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لافتاً إلى أن حق الترشح والمشاركة السياسية ليس امتيازاً تمنحه جهة إدارية، بل هو حق دستوري مكفول لا يجوز المساس به إلا في حدود القانون وبموجب أحكام قضائية.

وحذر المرصد من أن استمرار العمل وفق آليات استبعاد غامضة أو انتقائية سيؤدي إلى إضعاف ثقة الجمهور بالانتخابات المقبلة، ويشكّل انتكاسة لمسار الديمقراطية في العراق.