أثار قانون العفو العام في العراق
جدلاً واسعاً بين الأوساط السياسية والشعبية، خاصةً فيما يتعلق بشمول مختلسي المال
العام. ففي حين يرى البعض أن القانون يمنح فرصة لإعادة الأموال المسروقة وإنعاش
الاقتصاد، يعتبره آخرون تشجيعاً على الفساد وإفلاتاً لـ"حيتان الفساد"
من العقاب.
وصوت مجلس النواب في 21 كانون الثاني
من العام الحالي على قانون العفو العام ضمن نظام السلة الواحدة مع قوانين اخرى
خلافية رغم الاعتراضات التي طالت قانون العفو لشموله إرهابيين ومختلسين للمال
العام.
وأثار قانون العفو العام جدلاً واسعًا
في الأوساط العراقية، حيث تضمن بنوده إطلاق سراح مدانين في قضايا فساد كبرى، من
بينهم مدير مطار النجف السابق، فائد الشمري، الذي صدر بحقه حكم بالسجن لمدة عشر
سنوات. هذا القرار أشعل موجة غضب شعبي وسياسي عارمة، إذ اعتبره الكثيرون مكافأة
للمفسدين وتشجيعًا على استمرار نهب المال العام.
المطالبات بتعديل القانون أو إلغائه
تصاعدت، وسط تحذيرات من أن مثل هذه التشريعات تفتح الباب أمام "حيتان
الفساد" للعودة إلى ممارسة أنشطتهم المشبوهة، وتثبط عزيمة الأجهزة الرقابية
والقضائية في ملاحقة الفاسدين.
ويرى المنتقدون أن قانون العفو العام
في شكله الحالي يشكل تهديدًا حقيقيًا لجهود مكافحة الفساد، ويزيد من تآكل ثقة
المواطنين في مؤسسات الدولة.
عودة الفاسدين إلى الواجهة
الباحث في الشأن السياسي، حيدر الشيخ، انتقد
الآليات التي تضمنها قانون العفو العام، والتي سمحت بإطلاق سراح العديد من
الفاسدين، ومن بينهم مدير مطار النجف السابق، فائد الشمري.
وفي حديث خاص لوكالة فيديو الإخبارية،
صرح الشيخ قائلًا: "للأسف الشديد، ساهم قانون العفو العام في إطلاق سراح
العديد من المطلوبين للحكومة العراقية في قضايا الفساد، الذين استولوا على المال
العام، ومن بينهم رئيس إدارة مطار النجف، فائد الشمري، وهيثم الجبوري، وشخصيات
أخرى".
وأضاف الشيخ: "كان الأجدر بمجلس
النواب التريث في تشريع قانون العفو العام قبل إطلاق سراح هؤلاء الفاسدين، الذين
سرقوا ملايين الدولارات من خزينة الدولة العراقية".
شمول فائد الشمري بالعفو خرق قانوني وتحدٍ للعدالة
المحلل
السياسي داود الحلفي عبر عن استنكاره الشديد لشمول فائد الشمري بقانون العفو
العام، مؤكدًا أن هذا الشمول يمثل خرقًا قانونيًا فاضحًا.
وأوضح الحلفي
في تصريح لوكالة فيديو الإخبارية أن الشمري لم يصدر بحقه حكم قضائي، بل هو متهم
باختلاس مبالغ طائلة من المال العام، وتقدر بمئة مليار دينار عراقي، أي ما يعادل
اثنين وسبعين مليون دولار، ثم هرب إلى خارج البلاد.
وأضاف الحلفي:
"كنا نأمل أن يكون العفو العام في إطار مقاصده الإنسانية والإصلاحية، وأن
يشمل فقط من قضوا مدة محكوميتهم داخل السجون، وأظهروا ندمًا حقيقيًا على أفعالهم.
أما أن يشمل العفو شخصًا هاربًا، يتمتع بأموال مسروقة في الخارج، ثم يعود وكأن
شيئًا لم يكن، فهذا أمر غير مقبول على الإطلاق".
وتابع الحلفي:
"هذا العفو هو سياسي بامتياز، وليس له أي بعد إنساني أو إصلاحي. لقد شمل
العفو العديد من المتهمين بقضايا فساد كبرى، مثل نور زهير وهيثم الجبوري، وغيرهم،
ما أهدر حقوق الشعب العراقي وأمواله. هذا العفو لن يردع المجرمين، بل سيشجعهم على
تكرار جرائمهم، خاصة في ظل الأجواء التي تسمح بذلك. لو كانت هناك عدالة حقيقية،
لما شمل هؤلاء بالعفو، ولتمت محاسبتهم واستعادة الأموال المسروقة".
واختتم الحلفي
تصريحه بالقول: "يؤسفنا أن نرى أن أموال الشعب العراقي لا حامي لها ولا راعي،
وأن الصفقات السياسية هي التي تحكم، وليس القانون. هذا العفو هو غطاء للفساد، وهو
يضر بسمعة العراق ومستقبله".
إطلاق سراح المختلسين "من عجائب
الدنيا"
اعتبر النائب علي البنداوي أن إطلاق
سراح المختلسين بموجب قانون العفو العام سيؤسس لمنهج يشجع المختلسين مستقبلا على
السرقة مرة أخرى، مشيرا إلى أن إطلاق سراح "حيتان الفساد" هو من غرائب
وعجائب الدنيا.
وقال البنداوي في حديث لوكالة فيديو
الإخبارية، إن قانون العفو العام كان محل اعتراضات بسبب السماح بخروج سراق المال
العام، لكن للأسف الشديد جرت العادة في أغلب القوانين على أن تكون هناك اتفاقات
سياسية قبل التصويت عليها.
وأضاف أن رأيه كان ولا يزال أنه من
الضروري أن لا يشمل سراق المال العام بهذا القانون، باعتبار أنهم أثروا على المال
العام واستخدموا هذا المال.
وأكد أن هذه القوانين والقرارات التي
تسمح بخروج سراق المال العام تعطي فرصة لمن تسول له نفسه سرقة أموال الشعب،
وبالتالي يعتمد على شموله بقانون يشمله بالعفو العام ويخرج بسرقته.
وشدد على ضرورة التشديد على هذه المواد
وعدم السماح بخروج سراق المال العام.
ووصف البنداوي خروج حيتان الفساد
بـ"العجائب والغرائب"، مشيرا إلى أن هناك من هم مشمولون بهذا القانون
وأموالهم زهيدة وما زالوا قابعين في السجون، بينما نسمع من وسائل التواصل
الاجتماعي والإعلام بخروج حيتان الفساد الذين عاثوا في الأرض فسادا وأخذوا أموالا
طائلة بالمليارات.
واختتم البنداوي حديثه قائلا إن هذا
القانون كان يفترض أن يتم صياغته بصياغة جيدة ويعطي درسا للآخرين بألا تسول لهم
أنفسهم سرقة المال العام.
وأصدرت هيئة النزاهة الاتحادية في 16
تموز 2023 أمر قبض بحق رئيس مجلس محافظة النجف سابقا لتعمده ارتكاب ما يخالف
واجباته الوظيفية وكشف مصدر مطلع أن المتهم هو فائد الشمري الذي شغل منصب رئيس
مجلس محافظة النجف سابقا ورئيس مجلس إدارة مطار النجف أيضا، ، حيث أصدرت حكما بالسجن 10 سنوات على المتهم الهارب فائد الشمري.
ثم عادت محكمة جنايات مكافحة الفساد
المركزية بالهيئة في 21 سبتمبر من العام الماضي، باصدارها حكمًا غيابيًا بالسجن
لمدة عشر سنوات وغرامة مالية قدرها عشرة ملايين دينار بحق كل من فائد كاظم نون
حسين الشمري رئيس مجلس إدارة مطار النجف سابقًا وحسين نعمة خشان شناوة الزاملي عضو
مجلس إدارة سابق وكريم خصاف ستار الخفاجي عضو مجلس إدارة سابق ومصطفى معن سعيد
الطريحي عضو مجلس إدارة سابق وذلك على خلفية إدانتهم بارتكاب مخالفات فساد عن عقد بلغت
قيمته (71,989,000) مليون دولارٍ أمريكيّ لإعداد التصاميم والكشوفات لإنشاء المدرج
الجديد لمطار النجف والممرات التابعة له .
وقررت محكمة جنايات النجف المختصة
بقضايا النزاهة في وقت سابق من العام الماضي حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة
لرئيس مجلس إدارة مطار النجف الدولي السابق المتهم الهارب فائد كاظم نون الشمري
وأصدر قاضي محكمة تحقيق النجف هذا القرار لتعذر تنفيذ أمر القبض بحق الشمري وصدر
قرار الحجز باتفاق أعضاء المحكمة في السابع من شهر شباط الجاري وفقا لقرار الحكم
الصادر والمذيل بتواقيع رئيس المحكمة واثنين من القضاة الأعضاء.
لا يحق للمختلس الترشح لأي منصب
أكد عضو اللجنة القانونية أحمد فواز أن
قانون العفو العام قانون نافذ وواجب التنفيذ من قبل الجهات المعنية وأشار إلى أن
التسويات مع مختلسي المال العام خطوة اتخذت لضمان استعادة الأموال المختلسة.
وأوضح فواز في حديث لوكالة فيديو
الإخبارية أن القانون يسري بالعدالة المجتمعية ويعتبر نافذا ويطبق في المحاكم
والسلطات القضائية إذ يتضمن فقرات تنطبق على من يستوفي شروطها بغض النظر عن هويته
وأضاف أن نظام التسوية معمول به عالميا ويطبق في فرنسا ومصر ومنهما تستمد اللجنة
القانونية روح القانون ومصدره الوضعي.
وأوضح فواز أنه بإمكان المختلس الذي
حكم عليه بالسجن عشر سنوات أن يستفيد من التسوية إذا أعاد الأموال المختلسة بشرط
عدم التعامل معه بصفة معنوية فلا يحق له الترشح أو تأسيس حزب أو العمل كمدير لشركة
وإنما يعامل كشخص عادي وهذا هو العقاب المنصوص عليه في قانون العفو العام المعدل.
وشدد فواز على أن القانون نافذ ولا
يستثني أحدا ويطبق بحذافيره وأن التسوية تتم وفق آلية تتبعها السلطة القضائية وليس
السلطة التنفيذية.
وكشفت مصادر مطلعة في تصريحات صحفية،
أن فائد الشمري والذي شغل منصب رئيس مجلس محافظة النجف سابقاً و رئيس مجلس إدارة مطار
النجف أيضا هرب بعد سرقة أكثر من 7 ملايين دولار في صفقة واحدة وأنه يواجه حكما
غيابيا مع غرامة مالية قدرها 10 ملايين دينار فقط.
لم نصوت على العفو العام لإطلاق سراح
المختلسين
النائب عن دولة القانون أسعد البزوني،
أكد أن تصويتهم على قانون العفو العام لم يكن يهدف إلى إطلاق سراح مختلسي المال
العام.
وأوضح البزوني في حديث لوكالة فيديو
الإخبارية أن التصويت على القانون لم يكن ليشمل المختلسين ولكن هناك قواعد معمول
بها في جميع الأنظمة الدولية تنص على أنه عندما تختلس الأموال إما أن يحكم على
المختلسين وتذهب الأموال سدى أو بعد قضاء محكوميتهم يخرجون من السجن وتضيع أموال
الدولة.
وأضاف أنهم وضعوا آلية لإعادة هذه
الأموال ويتم العفو عن هؤلاء المختلسين مشيرا إلى أن هناك شخصيات مختلفة اختلست
مبالغ كبيرة تصل إلى تريليونات والعراق في حالة عجز، متسائلا من هو الأفضل أن نحكم
على هؤلاء الأشخاص أو أن نعيد الأموال المختلسة؟.
وأوضح أنه تم وضع فقرة تنص على أنه إذا
استطاع أي شخص اختلس الأموال إعادة هذه الأموال ولفترة زمنية دون أن تنقص هذه
الأموال درهم واحد فإنه يمكن أن يشمله العفو بهذا الشكل وتستفيد الدولة من خلال
إرجاع أموالها.
وأشار البزوني إلى أن العراق في حالة
عجز حيث يبلغ العجز خمسة وستين تريليون وأن إعادة مثل هذه الأموال ينعش الاقتصاد
وتساءل ما هي الفائدة للبلد من سجن مختلس لعدة سنوات وهو مختلس لعدة تريليونات من
أموال البلد.