Weather Data Source: 30 days weather Baghdad
بغداد
عاجل

باع الاسم ثم خذل الأرض.. هل ضاعت الهوية والجغرافيا في مزاد الجولاني للتطبيع؟

#
كاتب 3    -      69 مشاهدة
23/12/2025 | 10:18 PM

في تطور لافت يعكس تحولات عميقة في الخطاب السياسي للسلطة الجديدة في دمشق، برئاسة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، الذي تخلى عن لقبه قبل عام، برزت مؤشرات متزايدة على تقديم تنازلات سياسية ورمزية تجاه الكيان الإسرائيلي، في إطار مساعٍ حثيثة لرفع العقوبات الأميركية وفتح أبواب التطبيع، رغم استمرار الاعتداءات الإسرائيلية والتوسع العسكري داخل الأراضي السورية.

وبينما تروّج دمشق لمرحلة سوريا بلا عقوبات، تبدو الوقائع على الأرض والخطاب الدبلوماسي الجديد وكأنهما يعيدان رسم خريطة البلاد، سياسيًا وجغرافيًا، على حساب ثوابت السيادة السورية.

خريطة بلا الجولان.. رسالة فاضحة

 حيث أثار نشر وزارة الخارجية السورية خريطة لسوريا خالية من هضبة الجولان المحتلة موجة واسعة من الجدل.

فالخريطة، التي نُشرت مرفقة بعبارة "سوريا بلا عقوبات" احتفاءً بإلغاء العقوبات الأميركية المفروضة بموجب قانون "قيصر"، بدت وكأنها تتجاوز واحدًا من أقدم التابوهات الدبلوماسية السورية.

ورغم أن دمشق لم تعلن رسميًا الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، إلا أن إسقاط الهضبة من الخريطة اعتُبر إشارة سياسية مقلقة إلى تغيّر اللهجة الرسمية تجاه الاحتلال، وفتح الباب أمام تأويلات تتعلق بمسار تفاوضي غير معلن مع واشنطن وتل أبيب.

من الجولاني إلى الشرع

وسبق هذا التحول تغيير لافت في هوية قائد هيئة "تحرير الشام" سابقًا، حيث ظهر للمرة الأولى باسمه الحقيقي أحمد الشرع، بدل لقبه الحركي أبو محمد الجولاني، في إشارة واضحة.

وجاء ذلك في بيانات رسمية للهيئة أعلنت فيها السيطرة على مدينة حماة، موقّعة باسم احمد الشرع.

وتؤكد مصادر إعلامية أن هذه الخطوة تأتي ضمن مسعى متعمد لإعادة تقديم الشرع بصورة جديدة براغماتية"، بعيدة عن تاريخه المتطرف، تمهيدًا لحل هيئة تحرير الشام وإعادة إنتاجها بهيكل سياسي وأمني جديد، خاصة في حلب.

تطبيع بلا مقابل… والقصف مستمر

في الوقت الذي تبدي فيه دمشق مرونة متزايدة تجاه التطبيع، يواصل الجيش الإسرائيلي قصف مواقع داخل سوريا، إلى جانب توسيع رقعة سيطرته في الجنوب.

وتشير معطيات ميدانية إلى أن إسرائيل بسطت سيطرتها على نحو 665 كيلومترًا مربعًا من الأراضي السورية منذ ديسمبر الماضي، أي ما يعادل أكثر من نصف مساحة الجولان المحتل.

وبحسب مصادر سياسية سورية، فإن هذا التوغل لم يعد مؤقتًا، إذ أنشأ الجيش الإسرائيلي نقاط مراقبة ثابتة، ومهابط مروحيات، وبنى مساكن عسكرية، ما يؤشر إلى احتلال طويل الأمد، لا إلى عمليات أمنية عابرة.



احتلال يتمدد وصمت رسمي

وتؤكد شهادات من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء أن القوات الإسرائيلية تستغل حالة الفراغ السياسي وعدم الاستقرار في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق، لتكريس أمر واقع جديد.

وتشير تقديرات محلية إلى أن نحو 95% من محافظة القنيطرة باتت تحت السيطرة الإسرائيلية.

ورغم مطالبات الأهالي بتدخل عاجل من السلطة الجديدة في دمشق، لم تُسجَّل حتى الآن أي خطوات عملية لوقف التمدد الإسرائيلي، ما يعزز المخاوف من أن سياسة تفادي التصعيد تحولت إلى سياسة صمت وتفريط.

فالتخلي عن الجولان في الخطاب والخرائط، والتنازل الرمزي عن الهوية الجهادية السابقة، لم يقابله أي التزام إسرائيلي بوقف القصف أو الانسحاب، ما يطرح سؤالًا جوهريًا: هل ما يجري إعادة تموضع سياسية ذكية، أم بداية تفريط منظم بثوابت الدولة السورية؟

وما تشهده سوريا اليوم ليس مجرد تغيير أسماء أو خرائط، بل تحوّل استراتيجي عميق في طبيعة السلطة وخياراتها.

وبينما يطرق الكيان الإسرائيلي أبواب دمشق بالقوة، يبدو أن بعض هذه الأبواب فُتحت من الداخل، تحت عناوين البراغماتية ورفع العقوبات، في مشهد يعيد طرح سؤال السيادة السورية من جديد، ولكن هذه المرة بلا الجولان.