د. صلاح عبد الرزاق
٢٥ آب ٢٠٢٤
عوامل نفوذ الأحزاب الشيعية
تلعب الأحزاب الإسلامية الشيعية دوراً كبيراً في المشهد السياسي العراقي منذ سقوط النظام عام 2003 . ويعود نفوذها إلى عدة عوامل منها:
1- أنها كانت الأحزاب الرئيسة في معارضة نظام صدام، وخاصة حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى وبدر. وكانت تتحرك سياسياً وعسكرياً، ولها قواعد شعبية سواء داخل العراق أو بين الجاليات العراقية في الخارج .
2- كان النظام الصدامي يحارب ويلاحق أبناء الحركة الإسلامية أمنياً وقانونياً واجتماعياً. فقد أصدر مجلس قيادة الثورة المنحل القرار رقم ( 461) الصادر في 31 آذار 1980 الذي بموجبه الحكم بإعدام عشرات الآلاف من أعضاء حزب الدعوة الإسلامية وأنصارهم ومن يروج لأفكارهم. كما قام النظام الصدامي بإعدام العشرات من عائلة السيد محسن الحكيم كرد فعل لنشاط السيد محمد باقر الحكيم ضد النظام.
3- علاقة الأحزاب الشيعية الوثيقة مع الحوزة العلمية والمرجعية الدينية ذات النفوذ الواسع في الوسط الشيعي. إذ أن مؤسس حزب الدعوة الإسلامية هو السيد محمد باقر الصدر إضافة إلى مجموعة من العلماء والمجتهدين أمثال السيد مرتضى العسكري. وكانت هذه الشخصيات الحوزوية تعلن عن دعمها وتأييدها لحزب الدعوة الإسلامية. كما أن السيد الشهيد محمد باقر الصدر رفض إصدار فتوى يمنع فيها الانتماء لحزب الدعوة الاسلامية كشرط للافراج عنه والتوقف عن إعدامه.
4- في الفترة التي كان حزب البعث متسلطاً بالقمع والبطش والقسوة ، كان أبناء الحركة الإسلامية على رأس المعارضين والمجاهدين ضد نظام صدام. وكان ضحايا النظام من عائلات الشهداء والسجناء السياسيين يتعرضون لشتى المعاناة والحرمان، كالتضييق في المعيشة، الفصل من الوظائف، العزل الاجتماعي باتهامهم بأن ذويهم خونة للدولة. وكان كثير من الناس يتعرض للعقوبة والسجن إذا ما اقترب من عائلاتهم أو قام بتقديم مساعدة لهم أو حتى إبداء التضامن معهم. هذا الأمر جعل قطاعاً واسعاً من الجماهير تتعاطف مع شهداء وسجناء الحركة الإسلامية ، لأنهم كانوا بمثابة الأمل الوحيد للتخلص من نظام الطاغية.
5- يضاف إلى ذلك أن مئات الآلاف من الناس قد تعرض أحد أفراد أسرهم أو عشيرتهم لظلم وتعسف النظام حتى لو لم يكن منتمياً فعلاً لحزب الدعوة الإسلامية. إذ أن قرارات نظام صدام كانت تشمل الطرد من الوظيفة أو منع القبول في بعض الكليات أو الدراسات العليا من أقارب الشهداء وحتى الدرجة الرابعة وأحياناً الدرجة السادسة. وهذا ما جعل الاحساس باظلم يتسع إلى طبقات كثيرة ، وبالتالي التضامن مع كل من يضحي في مواجهة النظام.
6- كانت المعارضة الإسلامية تتواصل مع الناس داخل العراق من خلال الاتصال المباشر وتقديم المساعدات بشكل سري. كما كانت إذاعات وأخبار المعارضة الإسلامية تصل إلى الداخل. وهذا ما جعل علاقة الأحزاب الإسلامية وثيقة بالداخل العراقي.
7- كان كثير من الناس في المدن والقرى لا يتوانون من تقديم أية مساعدة لأبناء الحركة الإسلامية في توزيع المنشورات أو استضافة أو نقل أو تستر على المجاهدين أثناء تحركهم للقيام بعمليات جهادية ضد النظام ومؤسساته وأزلامه. ولولا دعم العشائر في الأرياف وخاصة في أهوار الجنوب لما استمرت حركة الجهاد ومواجهة النظام. إذ كانت عشائر الأهوار تقدم كل أنواع المساعدة للمجاهدين القادمين من إيران ، أو توفير طريق آمن للمضطرين إلى الهجرة خارج العراق.
8- بعد سقوط النظام وعودة الأحزاب الإسلامية الشيعية إلى العراق، شهدت المدن والقرى العراقية نشاطاً إسلامياً وسياسياً واجتماعياً ملحوظاً من خلال افتتاح المساجد والحسينيات، وأقامة الشعائر الحسينية ، وتأسيس المنظمات الخيرية لمساعدة عائلات الشهداء والأيتام والأرامل . وكانت للصورة الجميلة السابقة التي يحملها الناس تجاه الأحزاب الإسلامية قد ساهم في توسع نفوذ وتأثيرها على الجماهير. كما أن ظهور قادة المعارضة وهي شخصيات علمائية ومتعلمة ومثقفة قد أوجد حالة من الرمزية لقيادة المجتمع الجديد.
9- إعلان الأحزاب الإسلامية أنها تسير وفق توجيهات المرجعية واحترامها ، وإشارتها إلى الارتباط بالمرجعية في خطابها العام، واستقبال المرجعية لأقطاب السياسيين الشيعة قد رسخ الشعور بأنها تتحرك تحت نظر وتوجيه المرجعية. وهذا له الأثر الكبير في توسع نفوذها.
10- دخلت المرجعية بكل ثقلها في أولى مراحل تكوين الدولة الجديدة من خلال التأكيد على إجراء الانتخابات ، تدوين الدستور، أن يكون لممثلي الشعب دورهم في إدارة الدولة، مقاومة كل أشكال تعيين الحكومات أو كتابة الدستور. كما دعت المرجعية الناس إلى ضرورة المشاركة في كل الدورات الانتخابية ، بل ومساهمتها المباشرة في تشكيل أو قائمة انتخابية شيعية (الائتلاف الوطني الموحد) ودعوة الناخبين للتصويت عليها أعطى انطباعاً واضحاً عن دعم المرجعية للأحزاب الإسلامية.
11- منذ أول عملية انتخابية كانت الأحزاب الإسلامية الشيعية في صدارة الفائزين حيث حصدت غالبية الأصوات في كل الانتخابات المحلية والنيابية. وبقي الائتلاف الوطني الموحد ثم التحالف الوطني العراقي هو الكتلة النيابية والسياسية المهيمن على كل المشهد السياسي العراقي.
12- تسنمت شخصيات إسلامية مواقع هامة في الحكومة كرئاسة الوزراء ووزراء ومسؤولين ونواب برلمان ساهم في اتساع نفوذ الأحزاب الإسلامية من خلال تعزيز الرمزية أولاً، والتفاعل الجماهيري مع قيادات سياسية جديدة ذات خطاب قريب من طموحات ومشاعر الشارع الشيعي. كما أن تحقيق إنجازات أمنية وسياسية وخدمية كان لها وقع في نفوس الجماهير الشيعية، مثل إعدام صدام، القضاء على القاعدة وإقرار الأمن، محاربة الميليشيات وخاصة في صولة الفرسان، وخروج القوات الأمريكية بطريقة التفاوض الدبلوماسي.
أما أهم الأحزاب الإسلامية الشيعية ذات الثقل الشعبي والسياسي هي:
أولاً: حزب الدعوة الإسلامية
يعد حزب الدعوة الإسلامية أقدم الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية في العراق. فمنذ سبعينيات القرن العشرين أصبح حزباً يحسب له حساب سواء في دهاليز حزب البعث الحاكم أو في أروقة الدوائر الدولية وخاصة البريطانية. وتصاعد هذا الدور في الثمانينيات عندما بدأت المواجهة العلنية بين حزب الدعوة والنظام الحاكم في العراق. إذ اتخذت مسارات عديدة كان الصراع فيها في أوجه، وتكبد حزب الدعوة الإسلامية عشرات الآلاف من الشهداء في سجون النظام، إضافة إلى آلاف آخرين اضطروا للهجرة من العراق بسبب الملاحقات والقمع والتنكيل. وتطور العمل في بداية التسعينيات إلى المواجهة العسكرية عبر الانتفاضة الشعبانية عام 1991 والعمليات التي استهدفت رأس النظام ورموزه.
تأسيس الحزب
في ذكرى المولد النبوي في 17 ربيع الأول عام 1377 هـ الموافق 12 تشرين الثاني 1957 م عقد اجتماع في منزل السيد محسن الحكيم في مدينة كربلاء المقدسة حضره كل من :
1- السيد محمد باقر الصدر (عالم دين مجتهد وهو المنظّر الأيديولوجي للحزب)
2- السيد مرتضى العسكري (عالم دين، مجتهد وباحث ومؤرخ شهير )
3- السيد مهدي محسن الحكيم (1933-1988) (عالم دين، له علاقات واسعة)
4- السيد عبد الصاحب دخيل (تاجر وناشط إسلامي وله خبرة بالعمل الإسلامي)
5- السيد محمد صالح الأديب (1935-1996 ) (مهندس زراعي وناشط إسلامي، له خبرة تنظيمية)
6- السيد محمد صادق القاموسي (موظف وشاعر وناشط إسلامي)
7- السيد حسن شبر (ناشط إسلامي ومحامي، لديه خبرة بتأسيس حزب إسلامي)
8- السيد طالب الرفاعي (عالم دين ، لديه علاقات بأحزاب إسلامية سابقة)
إن الأشخاص الستة الأوائل حضروا اجتماع أداء القسم ، والآخران (شبر والرفاعي) لم يكونا حاضرين لكنهما شاركا في اللقاءات التمهيدية لتأسيس الحزب. (١)
يعد المرجع السيد محمد باقر الصدر هو المنظّر الرئيس لأفكار الحزب ومبادئه، وتأصيل التنظيم الحزبي على أساس شرعي. وهو الذي كتبه أسسه التسعة التي ساهمت في جعل الحزب يسير وفق المنهج الإسلامية وقواعد الشريعة. وقد حظي الحزب بتأييد كبار مراجع التقليد مثل السيد محسن الحكيم (١٨٨٩ - 1970) والسيد أبو القاسم الخوئي (1899-1992) .
وقد جذب الحزب مئات من العلماء والخطباء والفضلاء وصل بعضهم إلى درجة الاجتهاد والمرجعية كالسيد محمد حسين فضل الله والسيد كاظم الحائري. كما انضم إليه شخصيات إسلامية من لبنان والسعودية وافغانستان والباكستان والبحرين وإيران. فكانت صبغته إسلامية وليست عراقية رغم أن غالبية أعضائه من العراق. كما انخرط فيه آلاف الشباب المثقف من طلاب جامعات وأطباء ومهندسين وأكاديميين وأصحاب مهن وكسبة وموظفين وعسكريين.
القيادة الجماعية
منذ تأسيسه لجأ حزب الدعوة الإسلامية للعمل السري ، وعدم كشف اسمه وأعضاءه. ويعود ذلك بسبب طبيعة الظروف التي مر بها العراق آنذاك ، والمخاطر التي تحدق به كالتصفية الجسدية والمعنوية . وهذا ما اثبتته الوقائع منذ سبعينيات القرن العشرين. إذ قدم مجموعة من قادته إلى منصات الاعدام والشهادة مثل السيد عبد الصاحب دخيل عام 1971 ، الشيخ عارف البصري وأربعة قياديين عام 1974 ، السيد محمد باقر الصدر 1980 ، المهندس هادي السبيتي عام 1987 . إضافة إلى عشرات الآلاف من الشهداء في الفترة 19٧٩ وما بعدها.
يمتاز حزب الدعوة الإسلامية بوجود قيادة جماعية تتألف من علماء دين ومثقفين إسلاميين. وبذلك تفادى الحزب مشكلة وقعت فيها الأحزاب السياسية ومنها الإسلامية حيث يكون هناك قائد محوري يدير كل التنظيم حسب رأيه ومزاجه ، ولديه صلاحيات مطلقة دون رقابة أو محاسبة. ولذلك يعقد الحزب مؤتمره العام مرة كل سنتين، يتم فيها اختيار القيادة والشورى بالاقتراع السري المباشر. كما لا توجد في حزب الدعوة حالة توريث القيادة داخل عائلة القائد. ولا يوجد داخل الحزب أقارب لا في القيادة ولا في مجلس الشورى ولا في الكوادر المتقدمة.
منذ عام 1980 تم استحداث منصب الناطق الرسمي باسم حزب الدعوة الإسلامية حيث بقي الشيخ محمد مهدي الآصفي (1939- 2014) (٢) الناطق الرسمي حتى عام 1998 . في حزب الدعوة الإسلامية يتم انتخاب القيادة (عددها من 7 إلى 15 عضواً) من قبل أعضاء المؤتمر العام ، وبالاقتراع السري والمباشر. ومنذ عام 2007 بدأ انتخاب أمين عام الحزب وبشكل سري ومباشر من المؤتمر العام الذي يضم أكثر من (400) عضواً. وقد حظي السيد نوري المالكي بثقة أعضاء المؤتمر منذ عام ٢٠٠٧.
لحزب الدعوة نظام داخلي ينظم شروط العضوية ، عقد المؤتمر العام، انتخاب القيادة والأمين العام ومجلس شورى الدعوة، صلاحيات وعمل المكتب السياسي والمكتب التنظيمي والمكتب الإعلامي ، وشؤون اللجان والحلقات والبرنامج التربوي وانعقاد الاجتماعات الحزبية.
مبادئ حزب الدعوة الإسلامية
يعتمد الحزب على المبادئ الآتية:
1- الإسلام عقيدة وأساساً يستمد منه الحزب فكره وقيمه الانسانية.
2- توجهات المرجعية الدينية الرشيدة.
3- الانتخاب والحوار البناء وحرية التعبير عن الرأي للتعامل داخل الحزب وخارجه وإطاراً للتعددية السياسية والوضوح في الأداء السياسي.
4- أحكام ومبادئ الدستور العراقي.
5- المصلحة الإسلامية والوطنية.
6- العمل مع سائر مكونات الشعب على حفظ أمن واستقرار العراق وسيادته ووحدته الوطنية.
7- المساواة في حقوق المواطنة بين العراقيين على اختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية، وتعميق روح الإخاء الوطني والإنساني فيما بينهم.
8- حماية حقوق الإنسان وترسيخ قيم الحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية والتقدم والازدهار في العراق. (٣)
أسس عمل حزب الدعوة الإسلامية
يعتمد الحزب في عمله وتوجهاته على الأسس الآتية:
1- اعتماد الأصول والأحكام الشرعية ، ومبدأ الشورى في العمل التنظيمي للحزب.
2- اعتماد الأفكار والتجارب المستوحاة من متبنيات الدعوة، وخط سيرها العملي ، ومن أفكار وتجارب الشعوب والتنظيمات السياسية والاجتماعية التي لا تتعارض والموازين الشرعية.
3- اعتماد مبدأ الجماعية في العمل على وفق نظام دقيق وباتجاه واحد، ومراعاة الانسجام التام بين قواعد وقيادات الدعوة من خلال المشورة في اتخاذ القرارات والطاعة في تنفيذها.
4- اعتبار المسؤولية الممنوحة للعضو تكليفاً وليس منحة له. وعلى العضو أن يعمل لله تعالى ويجتهد من أجل نصرة الإسلام وحماية الوطن والانسانية. (٤)
بسبب تعرضه للملاحقة والسجن والتعذيب والاعدام ، هاجر كثير من أعضاء حزب الدعوة إلى الخارج، فيما بقي آخرون متخفين بطرق مختلفة. وكانت الدول التي احتضنت الدعاة هي إيران وسوريا ولبنان وأروبا وأمريكا وأستراليا وكندا. وكان نشاط قادة الدعوة بارزاً في المؤتمرات والمحافل الدولية ، ومؤتمرات المعارضة العراقية. الجدير بالذكر أن حزب الدعوة لم يحضر في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية الذي عقد في نهاية كانون الأول 2002 وبرعاية أمريكية.
مرحلة ما بعد سقوط النظام
بعد سقوط النظام عام 2003 عادت الكوادر الدعوية وشاركت في بناء الدولة مع بقية الأحزاب والكتل السياسية. وشاركت في جميع الانتخابات المحلية والنيابية ، وحقق حزب الدعوة نجاحات تدريجية وملحوظة. ففي انتخابات عام 2005 كان لحزب الدعوة تسعة مقاعد نيابية، بينما بلغ عدد مقاعده عام 2014 هو 54 مقعداً. وفي عام 2009 تم تأسيس ائتلاف دولة القانون حيث شارك في الانتخابات المحلية ، وحصل على إدارة محافظات بغداد والبصرة والسماوة والديوانية وكربلاء وبابل وواسط وذي قار. وفي الانتخابات البرلمانية عام 2010 حصل ائتلاف دولة القانون على 89 مقعداً ، وفي عام 2014 حصل على 103 مقاعد، ليشكل بذلك ثلث مقاعد البرلمان وأكبر كتلة برلمانية.
من جانب آخر بقي منصب رئاسة الوزراء بيد حزب الدعوة الإسلامية بدءاً بالدكتور ابراهيم الجعفري (2005-2006) (٥) ، نوري المالكي (2006- 2014) (٦) ، والدكتور حيدر العبادي (2014- ٢٠١٨). بينما لم يحصل الحزب إلا على وزارتين منذ عام 2004 ، هما الشباب والرياضة والتعليم العالي. وفي انتخابات ٢٠٢١ حصل ائتلاف دولة القانون على وزارات النفط والزراعة والشباب والرياضة.
لحزب الدعوة قناة فضائية هي (آفاق) تتكفل نفقاتها منظمة القنوات الفضائية الإسلامية التي تمولها إيران. وبعد تشكيل هيئة الحشد الشعبي وصدور فتوى الجهاد الكفائي، قام حزب الدعوة بتشكيل (قوات الشهيد الصدر) للمشاركة في العمليات الحربية ضد داعش. ويقتصر وجود هذا الفصيل المسلح على جبهات القتال فقط ، دون أي حضور في المدن والمحافظات.
نكسة عام 2014
أدى ترشيح العبادي لمنصب رئاسة الوزراء إلى حدوث أكبر أزمة حزبية يمر بها حزب الدعوة الإسلامية. وقد انعكست هذه الأزمة في الاصطفاف الداخلي لأعضاء الحزب بين قطبين هما المالكي والعبادي. كما انعكس سياسياً واعلامياً وبرلمانياً حيث تمادى العبادي في مهاجمة المالكي واتهام حكومته بالفساد وضياع الموصل وثلث العراق ووجود خمسين ألف فضائي في القوات المسلحة ، وأنه استلم الخزينة خالية. كما نعت المالكي بأنه (القائد الضرورة) وهي إساءة كبيرة لأنها تشبيه المالكي بصدام. وانتقد العبادي علناً زيارة المالكي إلى البصرة وما تعرض له من إساءة من قبل التيار الصدري هناك، وأمر العبادي القوات الأمنية في البصرة بعدم التدخل لحماية الحفل الذي أقيم في النادي النفطي بمناسبة المولد النبوي الشريف حيث تعرض الحاضرون إلى الاعتداءات الجسمية واللفظية . وكان العبادي يقول أنه ضد زيارات المسؤولين إلى المحافظات ، وأنه لا يستطيع توفير قوات إضافية لحماية المسؤولين ونشاطاتهم. وفي زيارته لجامعة واسط عام 2017 تعرض العبادي نفسه إلى تظاهرات وهتافات معادية له، فأمر حرسه بتفريق المتظاهرين، ثم تم الايعاز إلى رئاسة الجامعة بفصلهم . وبعد تدخل ووساطة قبل العبادي استقبال الطلاب في القصر الجمهوري وقبول اعتذار الطلاب الذين اضطروا له بعد أن رأوا أنه ليس بإمكانهم التعبير عن رأيهم ضد رئيس الوزراء.
استمرت الحملات الاعلامية بين الطرفين ، ودخلت الجيوش الإلكترونية في صفحات التواصل الاجتماعي لتدلو بدلوها في تشويه السمعة والتسقيط السياسي والتشهير الاعلامي والاجتماعي.
كما أن أعضاء القيادة المصطفين مع العبادي من النواب وقفوا ضد كتلة الدعوة النيابية التي ينتمون اليها ، وضد كل تحرك تقوم به دولة القانون. كما وقفوا ضد جبهة الاصلاح التي تأسست في نيسان 2016 من أكثر من مائة نائب من الشيعة والسنة والأكراد والتركمان والمسيحيين. ووصل الأمر إلى أن يقف ثلاثة من القيادة إلى جانب وزير الدفاع خالد العبيدي الذي أقيل بسبب اتهامه بالفساد، لأن النائبة المستجوبة كانت هي السيدة عالية نصيف من دولة القانون ومحسوبة على خط المالكي. فكان الثلاثة قد صوتوا بالقناعة على أجوبة الوزير مقابل 204 نائب صوتوا بعدم القناعة. الأمر الذي أثار غضب الشارع واستياء النواب وكذلك أعضاء حزب الدعوة، واعتبر موقف النواب فضيحة سياسية.
على الصعيد الداخلي تصاعدت الخلافات والتقاطعات حتى أن حزب الدعوة لم يتمكن من عقد المؤتمر العام السابع عشر المقرر عقده عام 2015 لأن المؤتمر السادس عشر عقد عام 2013 وبموجب النظام الداخلي يجب انعقاد المؤتمر كل سنتين لانتخاب قيادة جديدة وأمين عام. لكن فريق القيادة الذي يتزعمه العبادي بقي رافضاً لعقد المؤتمر مخافة عدم إعادة انتخابهم بعد اتضاح المؤامرة التي قاموا بها ضد أمين الحزب. وأصبح اختيار اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام مشكلة انقسمت القيادة حولها. وذلك لأن اللجنة التحضيرية تستطيع التحكم في ادارة المؤتمر العام وبالتالي إجراء انتخابات الأمين العام والقيادة ومجلس شورى الدعوة. كما ارتفعت الأصوات الغاضبة على أداء القيادة ، وحدثت حراكات داخلية لمعالجة الوضع المتردي منها (لجنة رأب الصدع) التي ترأسها الدكتور صلاح عبد الرزاق، وهي لجنة انتخبت من مجلس شورى الدعوة. وقد التقت بالمالكي والعبادي وشرح كل منهما ملاحظاته على الآخر ، ثم تم عرض تقرير اللجنة على الشورى لكن لم يصوت عليه.
في أحد اجتماعات الشورى طرح المالكي مقترحاً يتضمن تعهد القيادة الحالية بما فيهم هو نفسه بعدم الترشح للقيادة في المؤتمر العام القادم بهدف تجاوز حالة الاستقطاب والتوتر الذي ساد الأجواء داخل الحزب، لكن فريق القيادة رفض المقترح بينما أيده السيد حسن شبر وكثير من أعضاء مجلس الشورى والدعاة من الكوادر العليا.
وبسبب الخلاف الحاد بين الفريقين فقد توقفت اجتماعات المكتب السياسي تقريباً، وصارت تعقد كل شهرين أو أكثر، رغم تصاعد الأحداث السياسية والأمنية. وفي عام 2016 طُرح مقترح انضمام المالكي لاجتماعات المكتب السياسي كي يدلي بوجهة نظره ورؤيته تجاه الأحداث، ثم يتم الاتفاق على موقف موحد للحزب. لكن العبادي والزهيري والعلاق وآخرين رفضوا هذا المقترح.
ورغم تباعد اجتماعات المكتب السياسي لكنها صارت مكرسة لحديث العبادي عن مجلس الوزراء والوضع الأمني والحكومي . وهذه من مهام رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وليس من مهام المكتب السياسي الذي يفترض مناقشة المشهد العراقي والاقليمي والدولي والأحداث السياسية ليتوصل إلى موقف حزب الدعوة منها. وهو موقف ليس بالضرورة أن يتفق مع موقف وقناعة رئيس الوزراء، لكن العبادي كان يسعى لتوظيف اجتماعات المكتب وبياناته لصالحه الشخصي وامتداح خطواته وإصلاحاته وقراراته. وصار يتدخل في صياغة بيانات المكتب السياسي، بل وصل الأمر أن يكتب البيان بنفسه مثل البيان الذي تم نفي مشاركة اثنين من أعضاء القيادة في مؤتمر عقد في الدوحة بحضور معارضين عراقيين بينهم قيادات بعثية. وكان رئيس البرلمان سليم الجبوري قد كشف حضور اثنين من قيادة حزب الدعوة بعد تعرض الجبوري لانتقادات سياسية بسبب حضوره المؤتمر.
داخلياً انعكس الخلاف على تشكيلات الحزب. إذ تباعدت اجتماعات مجلس شورى الدعوة ، وعدم حضور المالكي والعبادي سوية إلا نادراً. وأما النقاشات فكانت مجرد تنفيس عن احتقانات داخلية. ووصل الأمر إلى إطلاق اتهامات وحدوث مشاجرات بين أعضاء القيادة أنفسهم أثناء الاجتماعات، حتى أصبحت الاجتماعات بلا فائدة.
هل كان ترشيح العبادي أصولياً؟
لقد تم تجاوز مجلس الشورى في ترشيح العبادي لمنصب رئاسة الوزراء. وذلك لأنه حسب النظام الداخلي لحزب الدعوة فإن مجلس الشورى هو الجهة ذات الصلاحية الوحيدة في ترشيح رئيس الوزراء والوزراء والوكلاء والسفراء وبقية الدرجات الخاصة الأخرى. وكان مجلس الشورى قد قرر للمرة الثانية في 8 آب 2014 ترشيح المالكي لمنصب رئيس الوزراء. وكان أعضاء القيادة حاضرين بما فيهم العبادي، ولم تُطرح قضية بديل للمالكي، لكن فوجئ الجميع بعد ثلاثة أيام في 11 آب 2014 بمشهد تكليف العبادي بحضور رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وزعماء الكتل. وكان العبادي قد ادعى أنه يمثل (38) داعية نائب في مجلس النواب ، وأنهم انتخبوه، لكنهم نفوا هذا الادعاء ، وأنهم لم ينتخبوه مطلقاً لهذا المنصب. وإذا ادعى أن ترشيح رئيس الوزراء من صلاحيات القيادة وهو خلاف النظام الداخلي ، فلماذا لم تجتمع القيادة بشكل رسمي ، وتناقش الموضوع ، ويدون ذلك في محضر الاجتماع. وكان العبادي وفريقه قال أن قرار ترشيحه جاء في اجتماع للقيادة، لكن تبين أن ذلك غير صحيح. ففي أحد اجتماعات المكتب التنظيمي طرح الموضوع فتحدث أحد أعضاء القيادة بصراحة: (( لم يعقد اجتماع للقيادة ولا يوجد قرار للقيادة بترشيح الاخ العبادي ولا يوجد محضر للقيادة لذلك ابداً، ثم قال: قدم لي أحدهم في حينها محضراً للقيادة فيه ترشيح للأخ العبادي الى رئاسة الوزراء، فرفضته وقلت له: لا اعترف بهذا المحضر لأنه لم يتم ترشيح العبادي في اجتماع للقيادة )). وهذا التصريح مدون في محضر اجتماع المكتب التنظيمي المذكور.
ومما يؤكد أن ترشيح المناصب العليا ليس من صلاحية القيادة بل من صلاحية مجلس شورى الدعوة حصراً، هو أنه أثناء تشكيل حكومة العبادي قام رئيس لجنة إدارة الشورى بإرسال رسالة إلى أعضاء الشورى يسألهم فيها عن رأيهم بترشيح علي الأديب لمنصب وزير السياحة. ورغم موافقة أغلب الشورى لكن الأديب فشل في الحصول على تصويت مجلس النواب لصالحه. بعد ذلك تم منح وزارة السياحة لكتلة (مستقلون) التي يتزعمها حسين الشهرستاني وتم تسمية عادل الشرشاب للمنصب.
لم تنته أزمة الحزب الداخلية حتى انعقد المؤتمر العام في فندق البارون في كربلاء عام ٢٠١٩. إذ تم التجديد لزعامة المالكي ، وانتخاب قيادة جديدة ومجلس شورى جديد. وبذلك خرجت القيادة القديمة وصار المالكي وفريقه هو من يدير الأمور داخل الحزب.
حزب الدعوة والانتخابات
في رحاب الاستعداد للانتخابات المحلية والبرلمانية المقرر إجراؤها في 12 مايس 2018 ازدادت الجفوة والخلاف. إذ أصر كل من العبادي والمالكي على تصدر القائمة الانتخابية لحزب الدعوة. ورغم أن العبادي لم يصعد إلى مجلس النواب إلا بأصوات المالكي لأنه حصل على ( 4800 ) صوتاً فقط، والعتبة الانتخابية كانت قرابة ( 35000 ) صوتاً، أي كان بحاجة إلى ثلاثين ألف صوت ليحصل على مقعده في مجلس النواب، لكن أصر على يكون الرقم واحد في القائمة. ولولا المالكي لما صعد أي نائب من دولة القانون في بغداد البالغ عددهم ثلاثون نائباً، حيث لم يصعد واحد منهم بأصواته لوحده. وقد اقترح المالكي النزول بقائمتين ، واحدة يتصدرها المالكي باسم دولة القانون والأخرى يتصدرها العبادي.
استمر المالكي بقيادة دولة القانون وتركيز موقعها في المشهد السياسي. ففي انتخابات عام ٢٠١٨ حصل على ٢٥ مقعداً بعد خروج منظمة بدر وكتلة مستقلون من دولة القانون، وازداد إلى ٣٣ مقعداً في انتخابات ٢٠٢١ المبكرة ، والتحق بها نواب آخرون فصار عدد المقاعد ٤٠ مقعداً. وحققت دولة القانون فوزاً في انتخابات مجالس المحافظات عام ٢٠٢٣ فحصلت على منصب المحافظ في بغداد والمثنى وديالى.
أما ائتلاف النصر بزعامة العبادي فقد حصل على ٤٢ مقعداً في انتخابات ٢٠١٨ لكنه سرعان ما تشظى وخرجت منه عدة كتل بسبب سوء إدارة الائتلاف. وفشل في انتخابات ٢٠٢١ حيث حصل على مقعد واحد فقط.
لقد أدار المالكي الأزمات التي مرت بالكتل الشيعية المنضوية تحت (الإطار التنسيقي) في عام ٢٠٢١ عندما فاز التيار الصدري ب (٧٣) مقعداً وتحالف مع الحلبوسي ومسعود البارزاني في تحالف ثلاثي يهيمن على البرلمان بانتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان. وكانت كتل الإطار التنسيقي قد خسرت الانتخابات بشكل كبير حتى أن بعضها حصل عل