ضياء ابو معارج الدراجي يكتب: تشييع الجثمان الطاهر لسيد لبنان ورفيقه معركة وجود

كاتب 6 17 شباط 2025 30 مشاهدة
# #

ضياء ابو معارج الدراجي 
في زمنٍ تتصارع فيه الإرادات، وتتكسر فيه الأحلام على صخور الواقع القاسي، يقف المحور بكل ثقله، مجتمعًا كقبضة واحدة، يترقب لحظة الحسم، لحظة يراها أكثر من مجرد وداعٍ أو طقوسٍ جنائزية، بل استحقاقًا لا يقبل التراخي، حتى وإن كان العالم كله يشهد اضطرابًا، وحتى إن كانت الرياح تعصف بكل ما هو ثابت.
لا أحد هنا يبالغ حين يقول إن تشييع الجثمان الطاهر لسيد لبنان في هذه اللحظة الحساسة، وفي ظل هذه التحديات التي تكاد تلتهم كل شيء، هو أكثر من مجرد حدثٍ جنائزي، بل هو في حد ذاته ربحٌ لجولةٍ في حربٍ لم تتوقف يومًا، حربٌ لم تكن فيها المعارك مجرد نيرانٍ في الميدان، بل كانت وما تزال، ساحاتٍ للمواجهة على كل المستويات، في السياسة كما في الأمن، في الاقتصاد كما في العقيدة، في الصراع الوجودي الذي يجعل من مجرد القدرة على الوقوف بوجه العاصفة نصرًا لا يقل أهمية عن كسر الخصم عسكريًا.
من لا يفهم ذلك، لا يفهم معنى أن تكون جزءًا من أمة تعيش في صراعٍ مستمر، حيث كل خطوة تُحسب، وكل تحركٍ له أبعاده التي تتجاوز اللحظة الراهنة، وحيث النجاح لا يُقاس فقط بما يتحقق اليوم، بل بما يُرسم للغد من استراتيجياتٍ دقيقة ومدروسة، وما يُرسَّخ من ثقلٍ في معادلاتٍ دولية وإقليمية جديدة، يفرض فيها هذا المحور حضوره رغم كل الادعاءات والتشويهات والتآمر المستمر.
أكثر من ذلك، فإن تشييع الجثمان الطاهر لسيد لبنان ورفيقه ليس مجرد جنازةٍ تقام، أو موكبٍ يطوف المدن، بل هو رسالة، صرخةٌ مدوية تقول إن الالتفاف الشعبي لم يكن شعارًا، وإن الجماهير التي قيل إنها تخلّت، عادت لتثبت أنها لم تكن يومًا بعيدة، وإن هذه المقاومة، برجالها وسادتها وشهدائها، لم تكن وحدها كما أراد الأعداء تصويرها، بل هي امتدادٌ لوجدانٍ جمعي، لأمةٍ لم ترفع الراية البيضاء، ولم تنسَ من قدموا أرواحهم قرابين على مذبح العزة والكرامة.
إنه تكريمٌ يليق بالذين حملوا الراية قبلنا، الذين ساروا في دربٍ يعرفون أنه مليءٌ بالدم والخذلان والخيانة، لكنه أيضًا الطريق الوحيد الذي يقود إلى الحرية الحقيقية. سيدُنا الأعز، ورفيق دربه المسدد، لم يكونا أسماءً تُردد في الخطابات، بل كانوا نبضًا حيًا، وسيرةً لم تُكتب بالحبر، بل سُطرت بالدم، فكيف لا يكون تشييع الجثمان الطاهر لسيد لبنان ورفيقه تكريمًا يليق بهما؟ كيف لا يكون إصرارًا على أن لا تذهب تضحياتهم سدى؟
لذلك، نحن لا نبالغ حين نقول إن تشييع الجثمان الطاهر لسيد لبنان ورفيقه لن يكن مجرد وداعٍ، بل هو عهدًا جديدًا يُكتب، ومسارًا يُرسم بالجموع التي ستزحف خلفه، والعيون التي ستودعه بدموعٍ من نار، والقلوب التي ستقسم أن ذكراه لن تكون مجرد صورةٍ تُرفع، بل وصيةً تُنفذ، ودربًا لا يُغلق مهما حاول الطامعون والمتآمرون.
لو أُعطينا الفرصة، لو كان في الإمكان أن يكون هذا التشييع مسيرةً تمتد لأعوام، لفعلنا ذلك دون تردد، لأن الجثمان الذي يُشيَّع اليوم، هو ذاتُه الراية التي ستُرفع غدًا، ولأن من كانوا معه بالأمس، سيكملون الطريق بعده، لا بالسلاح فقط، بل بالعقيدة، بالإيمان، باليقين الذي لا تهزه عواصف السياسة ولا ألاعيب المصالح.
لن يكن هذا الوداع نهايةً، بل بداية، ولن يكن مجرد جنازة، بل رسالة، تقول لكل من ظن أن هذا المحور ينكسر بفقد الرجال العظام: نحن هنا، وسنبقى، لأن الدم الذي سُفك اليوم، سيكون جذوةً تضيء ليلًا أرادوه بلا قمر.

حقوق الطبع والنشر © 2024 Video IQ