حسين سيد نور الاعرجي
تمر الكويت بلحظة تاريخية حساسة بعد قرارها إسقاط وسحب الجنسية عن نحو 9500
شخص، معظمهم من النساء. هذا القرار لا يثير فقط تساؤلات قانونية وسياسية، بل يلمس
أوتارًا عميقة في مسائل الهوية والانتماء. وهو ما يعيد إلى الذاكرة أحداثًا مؤلمة
شهدتها المنطقة، خاصة ما حدث في العراق خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن
الماضي، عندما تم تهجير آلاف العراقيين إلى إيران بناءً على خلفيات قومية أو
طائفية.
يذكرنا القرار الكويتي بخطأ تاريخي كبير ارتكبه نظام صدام حسين في العراق،
عندما قام بتهجير عشرات الآلاف من العراقيين بدعوى الأصول العرقية. ذلك القرار لم
يكن مجرد إجراء سياسي عابر، بل ترك جرحًا غائرًا في نسيج المجتمع العراقي، ما زالت
آثاره ملموسة حتى اليوم. الشرخ الذي أحدثه ذلك التهجير لم يقتصر على الجانب
الاجتماعي، بل غذى مشاعر القومية المتطرفة وعمّق الانقسامات، مما جعل فئات كبيرة
من المجتمع تشعر بالتهميش والاغتراب.
في الكويت، يبدو أن القرار الحالي يسير على خطى مماثلة، حيث يتم سحب
الجنسية في هذه الايام من آلاف الأشخاص، معظمهم من النساء. هذا الإجراء لا يهدد
فقط مستقبل هؤلاء الأفراد، بل يهدد أيضًا تماسك المجتمع الكويتي ككل. فالهوية
الوطنية ليست مجرد وثيقة قانونية، بل هي شعور بالانتماء والمشاركة في بناء الوطن.
يعلمنا التاريخ أن التهجير
والإقصاء بناءً على عوامل قومية أو دينية ليس مجرد قرار سياسي يمكن التراجع عنه
لاحقًا. إنه عمل يترك ندوبًا عميقة في المجتمع، ويخلق أجيالًا تشعر بالغربة حتى
داخل أوطانها. الأوطان ليست مجرد حدود جغرافية أو أوراق ثبوتية، بل نسيج من
العلاقات الإنسانية والمصائر المشتركة. عندما يتم تفكيك هذا النسيج، فإن النتيجة
الحتمية هي زيادة الانقسامات وتعزيز مشاعر الكراهية والتهميش.
في العراق ، أدت سياسات التهجير والإقصاء إلى تفكيك الوحدة الوطنية، مما
جعل المجتمع أكثر عرضة للصراعات الطائفية والقومية. اما الكويت اليوم فانها تقف
على مفترق طرق: إما أن تتعلم من أخطاء الماضي وتتجنب تكرارها، أو أن تسير على نفس
الدرب الذي سلكه صدام، مع ما يحمله ذلك من عواقب وخيمة.
الوحدة الوطنية ليست شعارًا يُرفع في المناسبات، بل هي مبدأ يجب أن يُترجم
إلى سياسات فعلية تعزز الانتماء وتضمن المساواة بين جميع المواطنين. في الكويت،
يتعين على صانعي القرار أن يدركوا أن قوة المجتمع تكمن في تماسكه، وأن أي إجراء
يهدد هذا التماسك سيكون له عواقب بعيدة المدى.!
فبدلًا من سحب الجنسية، يجب العمل على تعزيز قيم الاندماج والمساواة.
فالمجتمع القوي هو الذي يستطيع أن يحتوي جميع مكوناته، بغض النظر عن خلفياتهم
القومية أو الدينية. سياسات التهميش والإقصاء لن تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات،
مما يضعف المجتمع ويجعله أكثر عرضة للصراعات الداخلية.
والذي ارجوه من هذا المقال ان يصل صوت المحبة إلى أمير الكويت الذي عرف
بحنكته السياسية ولا اعرف كيف قبل هذا الأمر
لذا ندعو المسؤولين في الكويت إلى إعادة النظر في هذا القرار والتفكير
مليًا في العواقب التي قد تترتب عليه. التاريخ لا يرحم، والأخطاء التي ارتكبت في
الماضي يجب أن تكون درسًا لنا جميعًا. بدلًا من تكرار تلك الأخطاء، يجب أن نسعى
لبناء مجتمعات تعزز قيم التسامح والانتماء المشترك.
التاريخ يعطينا دروسًا ثمينة، لكن الفرق بين الأمم التي تنجح وتلك التي
تفشل يكمن في قدرتها على التعلم من أخطاء الماضي. الكويت اليوم أمام فرصة لتصحيح
المسار وتجنب تكرار أخطاء التاريخ. إن بناء مجتمع قوي ومتماسك يتطلب تعزيز قيم
الانتماء والمساواة، وليس تفكيكها.
لنكن حذرين من تكرار أخطاء الماضي، ولنسعَ معًا لبناء مستقبل يعزز الوحدة
والسلام لجميع مكونات المجتمع. فالمستقبل الأفضل يبدأ بخطوات صحيحة في الحاضر.