Weather Data Source: 30 days weather Baghdad
بغداد
عاجل

عراقجي: أميركا حولت عقيدة السلام إلى هيمنة قائمة على القوة

#
كاتب 3    -      71 مشاهدة
16/11/2025 | 10:35 AM

أكد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي أن أميركا حولت عقيدة السلام إلى هيمنة قائمة على القوة.

وقال عراقجي خلال كلمة له في المؤتمر الدولي "القانون الدولي تحت الهجوم والعدوان والدفاع"، وتابعته "وكالة فيديو الإخبارية"، إن لغة "السلام بالقوة" كان الشعار الذي دخل البيت الأبيض، لكن سرعان ما اتضح أن هذا المبدأ لم يكن سوى غطاء لإطار جديد من الإجراءات القسرية".

أدناه نص الكلمة:
في الذكرى الثمانين لتأسيس منظمة الأمم المتحدة، وفي وقت كان يُتوقع فيه أكثر من أي وقت مضى الالتزام بمبادئ القانون الدولي كقيم عالمية والتمسّك بالمنجزات التي حققها المجتمع الدولي في هذا المجال، يؤسفنا أن نشهد هجوماً شاملاً على هذه المبادئ من قبل القوى التي تسعى لتغيير النظام القائم.

نحن اليوم أمام حقيقة لم يعد بالإمكان التغافل عنها أو السكوت عليها: القانون الدولي يتعرض لهجوم مباشر. العالم يواجه تحديات عميقة، ومسارات مقلقة، وتحولات استراتيجية غير مسبوقة على مختلف المستويات.

لقد تعرّضت ركائز القانون الدولي لهجمات غير مسبوقة من جانب قوى كان يُتوقَّع أن تكون، بحكم ادّعائها الدائم حماية النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، حاميةً له لا منقلبة عليه. حتى البنية المعيارية التي تشكّلت بعد تأسيس الأمم المتحدة أصابها اضطراب واسع، إلى الحدّ الذي باتت فيه "الحرب والعنف" قاعدة، و"السلام والتعايش" استثناءً، وتحوّلت القوة العسكرية إلى أداة رئيسية في السياسة الخارجية لبعض الدول.

إن الوضع الراهن هو ثمرة مسارات مناهضة للقانون الدولي، سعت إليها الولايات المتحدة وبعض حلفائها تحت شعار "النظام الدولي القائم على القواعد" rules-based order بدلاً من "النظام الدولي القائم على القانون" law-based order.

هذا "النظام القائم على القواعد" أصبح في الواقع، مجرد مجموعة من التفسيرات والتأويلات المنحازة القائمة على مصالح الغرب الآنية، واستُخدم كأداة في يد النزعة الاستعلائية الأمريكية والغربية.

ومع الأسف، فإن التحذيرات المتكررة من شخصيات دولية بارزة ودول عديدة، وخاصة من الجنوب العالمي، والتي دعت إلى العودة للقانون الدولي القائم على العالمية والمساواة ونبذ القوة والتمييز، لم تجد آذانًا صاغية. واليوم لم يعد الحديث يدور كثيرًا حتى عن "النظام القائم على القواعد"، بل نشهد محاولات واضحة لإقامة "نظام دولي قائم على القوة" force-based order من قبل الولايات المتحدة وبعض حلفائها.

السادة العلماء والباحثون،

جاء رئيس الولايات المتحدة إلى البيت الأبيض بدعوى "السلام عبر القوة". ولم تمضِ فترة طويلة حتى اتضح أنّ هذا المبدأ لم يكن سوى غطاء لاستراتيجية جديدة تقوم على "الهيمنة عبر القوة"، قوة صريحة ومجرّدة من أي قيود.

وما يعلنه المسؤولون الأميركيون اليوم بلا مواربة ولا تجميل يترك القليل للتأويل. فالرئيس الأميركي يصرّح بوضوح أن الولايات المتحدة لم تعد ترغب في الالتزام بالاعتبارات السياسية والقانون الدولي، بل تريد فقط "أن تربح". هذا هو مانيفست الهيمنة الأميركية وعودة فعلية إلى قانون الغاب.

في هذا المانيفست، يتحوّل وزير الدفاع إلى "وزير حرب"، وتُعاد التجارب النووية إلى جدول الأعمال، ورئيس يدّعي أنه رئيس سلام يشنّ هجمات أينما يشاء دون مبرر، ويأمر بإخلاء المدن، ويطالب بالاستسلام غير المشروط، ويمزّق كل الالتزامات الدولية وحتى التزامات أسلافه.

إن هذا الاستخدام العاري والمتمادِي للقوة، والهجوم المستمر على ركائز القانون الدولي، إن لم يكن "قانون الغاب" فماذا يكون؟ ومن الواضح أن هذا المسار لا يمكن ولا يجب أن يستمر.

تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن الإنفاق العسكري العالمي يقترب من ثلاثة تريليونات دولار، وهو أعلى مستوى منذ عقود. ففي عام 2024 وحده، خُصص أكثر من 7% من ميزانيات الدول للإنفاق العسكري، ومن المتوقع أن يصل الرقم في 2025 إلى 10%. وهذا يشمل جميع مناطق العالم، ولا يعني شيئًا سوى مزيد من الحرب والعنف والتوتر. فالسبب واضح: في الغابة التي صنعتها الولايات المتحدة، لا وجود للقانون، ومن يريد الدفاع عن نفسه يجب أن يكون قويًا.

نتيجة لهذا الإفراط في النزعة العسكرية، نشهد اليوم تصدّعات جيوسياسية واسعة، وتنافسًا متزايدًا بين القوى الكبرى، وتوسّع برامج الصواريخ والقدرات النووية الهجومية، وتسليح التكنولوجيا السلمية—including الاتصالات—واشتعال صراعات عبر الحدود بين قوى إقليمية، وفوضى متعددة الطبقات في النظامين الدولي والإقليمي، وتراجع مستويات التعاون الاقتصادي والثقافي والعسكري، والأهم من ذلك تهميش الدبلوماسية.

وقد رأى الجميع أنه عندما هاجم الكيان الإسرائيلي إيران في يونيو بأمر من الرئيس الأميركي، كانت أول القنابل الملقاة موجهة إلى طاولة المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. فبعد خمس جولات من المحادثات، كان من المقرر عقد الجولة السادسة، لكن الحرب لمدة 12 يومًا أطاحت بالمسار التفاوضي.

السادة الكرام،

إن غرب آسيا، بوصفها من أكثر مناطق العالم تشابكًا دوليًا، هي الضحية الرئيسية لهذا الواقع المأساوي. وكانت—وخلال العامين الماضيين خصوصاً—مرآة كاملة لهذه المسارات الخطيرة المناهضة للسلام والقانون الدولي.

وليس خافيًا على أحد كيف يقوم كيان الاحتلال الصهيوني—الذي يمثل ذراعًا وامتدادًا للولايات المتحدة—بالاعتداء على أبسط مبادئ القانون الدولي، من أجل تحقيق طموحاته الجيوسياسية المتطرفة. فهذا الكيان، اعتمادًا على شيك الدعم المفتوح من واشنطن وبعض الدول الأوروبية، وتسليح ناتو والغرب، وبالحصانة الكاملة التي وفّروها له في المحافل الدولية، قد ارتكب أبشع الجرائم ضد البشرية: القتل، الإبادة، التطهير العرقي، وما زال يواصلها بلا توقف.

لقد هاجم هذا الكيان خلال العامين الماضيين سبع دول، واحتلّ مناطق جديدة في لبنان وسوريا، ويتحدث بلا خجل عن إعادة رسم خريطة المنطقة و"إسرائيل الكبرى". وأصبح من الواضح أن لا دولة في غرب آسيا في مأمن من نزعة الهيمنة العسكرية الصهيونية.

السيدات والسادة،

في إطار هذه الأوهام الجيوسياسية، وبتوجيه كامل من الولايات المتحدة—كما اعترف رئيسها مؤخرًا—شنّ الكيان الصهيوني في ليلة 13 يونيو عدوانه على الأراضي الإيرانية، قبل يومين فقط من الجولة السادسة للمفاوضات النووية في مسقط.

لقد مثّل هذا العدوان، وما رافقه من استهداف منشآت نووية سلمية وتصفية قادة داخل منازلهم، خرقًا صريحًا للقانون الدولي ومواد ميثاق الأمم المتحدة، واعتداءً على نظام عدم الانتشار.

وفي الذكرى الثمانين لهيروشيما وناغازاكي، ارتكبت الولايات المتحدة، عبر هذه الهجمات، جريمة جديدة باستهداف منشآت نووية سلمية خاضعة لإشراف الوكالة الدولية، مظهِرة مرة أخرى أنها أكبر تهديد للسلام العالمي.

إنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، انطلاقًا من حق الدفاع المشروع، لم تتصدَّ للعدوان فحسب، بل وجهت ضربات مؤلمة للعدو، لتثبت أن شعب إيران—رغم محبته للسلام—يقف حتى النهاية عند مفترق الحرب ولا يسمح للمتجاوز بالنجاة.

وقد شاهد الجميع كيف تحوّل خطاب "الاستسلام غير المشروط" خلال تسعة أيام فقط إلى "وقف إطلاق نار غير مشروط". وتلاشت أوهام كثيرة عن إيران شعبًا ونظامًا.

إن سلوك الجمهورية الإسلامية الإيرانية—وهي إحدى الدول المؤسسة للأمم المتحدة—كان دائمًا متوافقًا مع القانون الدولي. فالبرنامج النووي الإيراني يستند إلى حقوق ثابتة وردت في المادة الرابعة من معاهدة عدم الانتشار، التي تكفل الحق في تطوير التكنولوجيا النووية السلمية بما في ذلك التخصيب. وقد التزمت إيران كاملًا بتعهداتها في إطار نظام الرقابة الخاص بالوكالة الدولية.

وبعد اتفاق عام 2015، التزمت إيران بالكامل بخطة العمل المشتركة والقرار 2231، وهو ما أُثبت في 15 تقريرًا متتالياً للوكالة الدولية. وكانت الولايات المتحدة هي التي انسحبت من الاتفاق من جانب واحد ودون مبرر. ولو بقيت ملتزمة به لكان الوضع اليوم مختلفًا تمامًا.

إن رد إيران على عدوان إسرائيل والولايات المتحدة جاء بالضبط انسجامًا مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، أي الحق الأصيل في الدفاع الشرعي، مع الالتزام بضوابط الضرورة والتناسب والتمييز بين الأهداف العسكرية وغير العسكرية.

لقد أثبتت إيران أنها—حتى في ذروة التهديد والعدوان—تحترم القانون الدولي الإنساني، خلافًا للكيان الإسرائيلي الذي يقتل مئات المدنيين لأتفه الذرائع. لم تستهدف أي عملية إيرانية مناطق مدنية، وهذا ما يبرهن أن إيران تتحرك ضمن إطار القانون، بينما يقوم المعتدون بتمزيق الميثاق والقواعد الآمرة والعدالة الدولية.

أيها السيدات والسادة،

إنّ القانون الدولي، رغم كونه تحت هجوم غير منصف، ما زال حيًا، شريطة أن ندافع عنه. فهذه التحديات تحمل فرصًا كبيرة في طياتها؛ منها تنامي الوعي العالمي بهذه المرحلة الخطيرة، ووجود إرادة دولية وإقليمية متعاظمة لاعتماد نهج شامل، بعيد عن النزعة العسكرية، وقائم على المصالح المشتركة.

علينا جميعًا أن نعود إلى المسار الذي يستند إلى منجزات البشرية في سيادة القانون، ومنع استخدام القوة، وتجسيد روح ميثاق الأمم المتحدة. فإن لم نضع حدًّا لهذا المسار الخطير من انتهاك القانون واستخدام القوة العارية، قد نواجه تجارب أكثر مرارة.

إن العالم والمنطقة اليوم عند مفترق طريقين:
إما خطاب الهيمنة والقوة والعنف وقانون الغاب،
وإما خطاب القانون الدولي، والمساواة، والحوار، والتعاون الجماعي.

والجمهورية الإسلامية الايرانية تؤمن بالطريق الثاني، ومستعدة—بالتعاون مع الجنوب العالمي والدول المسؤولة—للقيام بدورها في إعادة النظام الدولي إلى أسسه القانونية.

وعلى مستوى المنطقة، تسعى إيران إلى منطقة قوية قائمة على الفهم المشترك والأخوّة والسلام، وتؤمن بأن أمن دول المنطقة جزء من أمنها. وتريد تأسيس "ثقة مستدامة" كقاعدة للمرحلة الجديدة.

وآمل أن يساهم مؤتمر اليوم، بجهود زملائي في مركز الدراسات، في تطوير الأسس الفكرية والعملية لهذا الخطاب.