صرح كمالوندي، في ما يتصل باستهداف عدد كبير من منشآت التخصيب وإنتاج أجهزة الطرد المركزي ومخازن المواد النووية، وبما يوحي به موقف المسؤولين من أن تعامل إيران مع الوكالة لن يعود إلى ما كان عليه قبل هجمات 13 يونيو/حزيران 2025، بأن إيران عضو في معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، ولديها التزامات متبادلة مع الوكالة.
ليصلك المزيد من
الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
وأوضح أن اتفاق الضمانات بين إيران والوكالة صيغ أساسا لظروف طبيعية وآمنة. صحيح أن المادة 68 أشارت إلى «الظروف الخاصة»، إلا أن هذه الظروف لم تُعرَّف بدقة، وربما كانت تشير إلى حوادث مثل الفيضانات أو الزلازل، لا بالضرورة إلى أوضاع الحرب والتهديدات الأمنية.
وأضاف أن المادة 73 من ترتيبات الضمانات تنص على أن الدولة العضو يجب أن تُبلغ الوكالة خلال 72 ساعة بأي حادث يطرأ على أراضيها أو منشآتها النووية. غير أن الحرب على إيران استمرت لأكثر من 72 ساعة، فضلا عن أن الاتفاقية لم تُكتب أساسًا للتعامل مع ظروف الحرب.
وأشار إلى أن إيران عادت إلى محاضر المفاوضات التي رافقت إقرار اتفاق الضمانات الشاملة عام 1970، حيث تساءل ممثل أستراليا آنذاك عمّا إذا كانت المادة 68 تشمل ظروف الحرب أو الحرب الأهلية، فجاء الرد بأن هذه المادة لم تُصغ رسميا لمثل هذه الحالات، وإن كان يمكن أن تُطبّق عمليا في بعض الجوانب.
وهو ما يعني، بحسب كمالوندي، أن واضعي الاتفاق أنفسهم أقرّوا بعدم كفاية هذه المادة للتعامل مع الظروف الحربية، نظرا لما تفرضه من اعتبارات أمنية ومعلوماتية تهيمن على كل شيء.
تعليق التعاون مع الوكالة ردّ فعل طبيعي
أشار نائب رئيس منظمة الطاقة الذرية إلى قانون «تعليق التعاون» مع الوكالة، الذي أقرّه البرلمان الإيراني ردا على الهجمات العسكرية، قائلا إن البرلمان توصّل إلى قناعة بأن العلاقة مع الوكالة باتت أحادية الجانب، فأقرّ هذا القانون، وأحال قرار تنفيذه إلى المجلس الأعلى للأمن القومي.
واعتبر أن إقرار هذا القانون كان ردّ فعل طبيعيا، مؤكدا أن أي دولة تتعرض لظروف مماثلة كانت ستفرض قيودا صارمة، وبالتالي فإن التعاون مع الوكالة بات مدروسا ومختلفا عمّا كان عليه سابقا.
أفكار بديلة لمحاسبة المواد النووية دون دخول المفتشين إلى المواقع
وفي ما يتعلق بطلب إيران تعديل اتفاق الضمانات الشاملة بعد الهجمات العسكرية على المنشآت النووية، قال كمالوندي إن المادة 24 من الاتفاق تتيح للطرفين إدخال تعديلات عليه. وأضاف: “إذا أصبح الاتفاق غير قابل للتنفيذ بسبب ظروف معينة، ولا سيما الحرب، فلماذا لا يُعاد النظر فيه؟ وإذا أرادت الوكالة استمرار الاتفاق، فلا يمكن الإبقاء على الإطار الحالي، لأنه وُضع لزمن وظروف طبيعية”.
وأوضح أن القواعد الخاصة بتقديم معلومات التصاميم وتحديثها وُضعت للظروف العادية، لكن عندما تتعرض المنشآت والمواد النووية لأضرار نتيجة هجوم عسكري، وليس حادثا فنيا أو طارئا طبيعيا، فإن الوضع يختلف جذريا. ففي الظروف العادية لا تمثل مشاركة المعلومات حول المواقع والمواد مشكلة، أما في زمن الحرب، ومع استمرار التهديدات الإسرائيلية والأميركية، فضلا عن سوابق الوكالة في تسريب معلومات فنية تخص إيران، فإن تقديم هذه المعلومات يصبح أمرا خطيرا ومثيرا للإشكالات.
وختم بالقول إن إيران بحاجة إلى اعتماد تدابير جديدة، ودراسة إمكانية تنفيذ محاسبة المواد النووية وإبلاغ الوكالة بوسائل بديلة، من دون دخول المفتشين إلى المواقع الحساسة. وأضاف: «توجد اليوم أفكار وطرق مطروحة في هذا الشأن، لكنها تتطلب نقاشًا وتفاوضًا جديًا”.
مطالب الوكالة بتعاون إيران غير معقولة
قال بهروز كمالوندي إن إلغاء «اتفاق القاهرة» ــ الذي كان ينص على تنظيم التعاون في ضوء التطورات التي أعقبت الحرب ــ يجعل من الطبيعي العودة إلى طاولة التفاوض من جديد.
وأوضح أن طلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية تُدرَس حاليا وتُلبّى في إطار قانون مجلس الشورى وقرارات المجلس الأعلى للأمن القومي، إلا أن استمرار التعاون مع الوكالة يستدعي إجراء مشاورات جادة للتوصل إلى صيغة جديدة.
وأضاف أن أحد المسارات كان «اتفاق القاهرة»، حيث حاولت إيران، بحسن نية، توفير أرضية للتفاعل مع الوكالة بعد الهجمات العسكرية، غير أن الوكالة ــ على حد تعبيره ــ أساءت استخدام هذه الفرصة.
وشدد على أن إصرار الوكالة على مطالبة إيران بالسماح بالوصول والتفتيش وتقديم التقارير استنادًا إلى اتفاق الضمانات المصاغ لظروف غير حربية، يُعد مطلبًا غير معقول في ظل الأوضاع الراهنة.
من المصلحة تنفيذ الالتزامات مع حماية المعلومات الفنية
وردا على سؤال بشأن ما إذا كان التفتيش الآمن على مواقع نطنز وفوردو وأصفهان ممكنا في الوقت الراهن، أوضح كمالوندي أن القانون ينيط بهذه المسألة قرارا يصدر عن المجلس الأعلى للأمن القومي.
وأشار إلى أن القضية لا تقتصر على البعد القانوني فحسب، بل تنطوي أيضا على أبعاد فنية وأمنية، مؤكدا أنه ليس من المصلحة، في الظرف الحالي، تزويد الخصوم بمعلومات حول حجم الأضرار التي لحقت بالمواد النووية والمنشآت.
وأكد أن المصلحة الوطنية تقتضي، بالتوازي مع تنفيذ الالتزامات الرقابية، حماية المعلومات الفنية الحساسة الخاصة بالبلاد.
ضرورة إصلاح مسار التعاون مع الوكالة
وشدد كمالوندي على ضرورة إصلاح آلية التعاون مع الوكالة، معتبرا أن التركيز في هذه المرحلة ينبغي أن ينصب على «الترتيبات الرقابية». وأوضح أن لدى إيران أفكارا ومقترحات لإعادة تنظيم هذا المسار، قد تنجح أو لا تنجح في الوقت الراهن، إلا أن ذلك لا يعني إغلاق الأبواب نهائيًا أمام التوصل إلى تفاهمات مستقبلية.
وأضاف أن أي مفاوضات جدية مع الوكالة يجب أن تأخذ في الاعتبار الهواجس والمصالح المشروعة لإيران، وأن تتوقف الوكالة والدول المؤثرة عن تسييس هذا الملف. وقال إن الإصرار على تنفيذ اتفاق الضمانات الشاملة بصيغته الحالية، من دون الالتفات إلى الظروف الاستثنائية التي تمر بها إيران، أمر غير واقعي، مشيرا إلى أنه لا توجد دولة تقبل بتطبيق مثل هذه الاتفاقيات في أوضاع مماثلة.
وأكد أن الوكالة لا ينبغي أن تُظهر الأمر وكأن إيران تمنع المفتشين عمدا من الدخول، وكأن شيئا لم يحدث، في حين أن المنشآت النووية السلمية الإيرانية، الخاضعة لإشراف الوكالة، تعرضت لهجمات عسكرية.
وأضاف: “نحن الطرف المتضرر، ونحن أصحاب الحق. الهجوم وقع في وقت كان فيه مفتشو الوكالة موجودين في إيران قبل يوم واحد فقط، ومع ذلك لم تصدر عن الوكالة حتى جملة واحدة لإدانة هذه الاعتداءات”.
وأشار إلى أنه حتى في القرار الأخير الصادر عن مجلس محافظي الوكالة بشأن إيران، لم يرد أي توصيف خبري للهجوم، وكأن البلاد لم تتعرض لشيء غير طبيعي. وختم بالقول: “شاءوا أم أبوا، الظروف تغيّرت، وإذا كان من المقرر استئناف مفاوضات جدية مع الوكالة، فلا بد من أخذ ملاحظات إيران بعين الاعتبار”.
تفسيرات مختلفة لاتفاق القاهرة
وأوضح كمالوندي أن منظمة الطاقة الذرية كانت على اطلاع مباشر بتفاصيل مفاوضات القاهرة، وشارك فيها خبير من المنظمة، مؤكدا أن الاتفاق كان حصيلة ملاحظات إيران ومواقفها. وبيّن أن «اتفاق القاهرة» فتح نافذة مؤقتة للتعاون، تمهيدا لبحث مسألة تعديل اتفاق الضمانات الشاملة على أسس مبدئية، إلا أن الوكالة لم تُقدّر هذا التفاهم كما ينبغي.
وأضاف أن أي تفاوض فني يحتاج إلى إطار سياسي واضح يعكس حسن نية الأطراف المقابلة، وهو ما لم يتحقق في هذه الحالة.
وفي رده على الإشارة إلى اتفاق القاهرة في القرار الأخير لمجلس المحافظين، رغم إعلان إيران إلغاءه ردا على تفعيل آلية «سناب باك»، قال كمالوندي إن طهران أبلغت الوكالة رسميا بوقف تنفيذ الاتفاق.
ولفت إلى أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي كان قد أوضح صراحة عند توقيع الاتفاق أنه في حال غياب حسن النية، فسيُلغى، غير أن الوكالة ذهبت إلى تفسير مغاير. وأكد أن الاتفاق، من وجهة نظر إيران، بات منتهيا.
شروط إنهاء تعليق التعاون مع الوكالة
وحول المدة التي ستستمر فيها سياسة «تعليق التعاون» مع الوكالة، أوضح كمالوندي أن قانون التعليق حدّد شرطين أساسيين: الأول، وقف التهديدات العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، والثاني، احترام حقوق إيران النووية، ولا سيما حقها في التخصيب، وعدم العودة إلى طرح خيار «التخصيب الصفري». وأضاف أنه في حال تحقق هذين الشرطين، يمكن أن تعود أطر التعاون إلى ما كانت عليه قبل الحرب.
وفي ما يتعلق بتهديدات مجلس المحافظين والدول الأوروبية والولايات المتحدة بإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن في الاجتماع المقبل، اعتبر كمالوندي أن هذه الأطراف تواصل توظيف المقاربات السياسية بدل القانونية. وقال إن مجلسي المحافظين والأمن لطالما تحركا بدوافع سياسية، وإنهما يستخدمان اليوم هذه الأدوات للضغط على إيران بدل الالتزام بسلوك قانوني ومنطقي.
التخصيب الصفري مستحيل
أكد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن الحلّ لقضية إيران النووية سياسي بالدرجة الأولى وليس فنّيا، موضحًا أن غياب التفاهم والإرادة السياسية يجعل من المستحيل تسوية القضايا الفنية، كما أثبتت التجارب السابقة في مسار المفاوضات النووية.
وقال، ردا على سؤال حول استمرار قناعته بهذه المقاربة في ظل الظروف الراهنة، إن ذلك لا يعني إهمال المسارات الفنية والقانونية، بل إن إيران واصلت خلال الأشهر الماضية، رغم كل التطورات، إجراءاتها الفنية والتقنية. وأشار إلى أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أقرّ مرارا بتعرض الوكالة، وشخصه، لضغوط سياسية شديدة من دول لا ترغب أصلًا في حلّ الملف النووي الإيراني.
وأضاف: “كما جرى حلّ القضايا الفنية في مفاوضات الاتفاق النووي ضمن إطار (PMD)، فإن ذلك لم يكن ليحدث لولا وجود إرادة سياسية حقيقية للتوصل إلى اتفاق. وعليه، فإن تهيئة المناخ السياسي تبقى شرطًا أساسيًا لنجاح أي مفاوضات”.
وشدد كمالوندي على أن المفتاح الأهم يكمن في إقناع الأطراف المقابلة بأن التصورات غير الواقعية التي يحملونها بشأن البرنامج النووي الإيراني، ولا سيما مطلب التخصيب الصفري، غير قابلة للتنفيذ على الإطلاق.
وأوضح أن بعض الأطراف راهنت على أن الضغوط المعيشية ستدفع الشارع الإيراني للضغط على الدولة، متسائلا: «ألم يدعُ نتنياهو الشعب الإيراني خلال حرب الأيام الاثني عشر إلى النزول إلى الشوارع؟ لكن ما الذي حدث؟ أظهر الشعب تماسكا ووحدة غير مسبوقين». واعتبر أن هذا السلوك الشعبي ستكون له انعكاسات واضحة على حسابات الخصوم مستقبلا، مؤكدًا أن إيران مستعدة للتعاون والتفاعل إذا كانت هناك مخاوف مشروعة بالفعل.
إيران ترفض العودة إلى قرارات مجلس الأمن القديمة
وفي ما يتعلق بإمكانية إعادة تفعيل قرارات مجلس الأمن السابقة التي تطالب إيران بوقف التخصيب وتنفيذ تعديل 3.1 والبروتوكول الإضافي، أوضح كمالوندي أن هذه المطالب وردت في قرار حديث لمجلس محافظي الوكالة استنادا إلى قرارات قديمة، إلا أن إيران، إلى جانب الصين وروسيا، أعلنت أن آلية «سناب باك» غير قانونية.
وأضاف أن قرارات مجلس الأمن السابقة أُلغيت بموجب القرار 2231، وأن إيران لن تخضع لتنفيذ قرارات فقدت أساسها القانوني.