في ظلال طوفان الأقصى "113" الفضائيات العربية وهويتها الوطنية في حروب الإبادة الإسرائيلية

کاتب ١ 5 أيلول 2024 27 مشاهدة
# #

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بعض الفضائيات العربية ما زالت على أصالتها الوطنية، وانتمائها القومي، والتزامها الديني، لم تضل الطريق، ولم تحد عن الدرب، ولم تتخل عن الواجب، ولم تقصر في مهمتها، ولم تهمل في دورها، ولم تمل من طول الحرب وتكرار يوميات الجريمة والإبادة، والمذابح والدماء المستباحة، ولم تفتر همتها، ولم تتراجع دافعيتها، ولم تخطيء بوصلتها الإنسانية، ولم تشكُ من قلة عوائدها وانحسار الدعم عنها، وقلة أجور العاملين فيها، ولم تصغ السمع للأصوات الشاذة النشاز الناقدة لها والمعترضة على أدائها.

وما زالت على عهدها الوطني وعقدها الأخلاقي وقيمها المهنية، تشحذ الهمم وتواصل العمل، وتجتهد في كشف الحقائق وتسليط الضوء على الجرائم، وتعتقد بأنها جزءٌ من المعركة، وطرفٌ في القتال، تقف جنباً إلى جنب مع الشعب الفلسطيني المقاتل، تؤيده وتناصره، وتدافع عنه وتحميه، وتهاجم العدو الإسرائيلي وتفضحه، وتستخدم في وصفه كلماتٍ مختارةٍ تليق بقاتلٍ مجرمٍ معتدٍ يرتكب أفظع المجازر وأبشع حروب الإبادة ضد شعبٍ يبحث عن حقه في الحياة، وحقه في العيش الكريم في أرضه ووطنه وبين أهله.

هذه الفضائيات العربية التي تتعرض لمضايقاتٍ حكوميةٍ وعقوباتٍ دوليةٍ، وتشويشاتٍ فنيةٍ، وابتزازاتٍ ماليةٍ، وتحجب مواقعها عن الأقمار الاصطناعية، وتمنع شركات التوزيع من إدراجها على شبكاتها المحلية، ما زالت رغم ضيق الحال وقلة الإمكانيات، لساناً بالحق صادحاً، وصوتاً في المعركة مشاركاً، وسيفاً ضد العدو مشرعاً، تتمسك بمواقفها، وتصر على سياساتها، وتحافظ على خطها الوطني، ولا تقبل المساومة على هويتها، أو التفريط بانتمائها، وتعتبر أن ما تقوم به على شاشاتها لا يقل عما يقوم به الأبطال المقاومون في الميدان، والأهل الصامدون على الأرض وفي كل مكان، وهو حقاً عملٌ عظيمٌ وجهدٌ كبيرٌ نقدره ونحفظه، ونجل من يعمل فيها ويضحي معها، ولا يتردد في "الرباط" على جبهاتها.

فكل الشكر والتقدير لهذه الفضائيات العربية المقاومة، وللعاملين فيها والداعمين لها، والمحافظين على خطها والمتمسكين بنهجها، الذين سقط منهم على الأرض شهداء، وأصيب الكثير منهم وهم يحملون الكاميرات و"المايكات"، خلال القيام بواجبهم، وأثناء التوغل مع المقاومين في عملياتهم، وكثيرٌ منهم فقد بعضاً من أهله وولده انتقاماً منه، وعقاباً له على ما يقوم به ويشارك فيه، فهنيئاً لهؤلاء الأبطال الأحرار الذين بتنا نحفظ صورهم ولا ننسى أسماءهم، ونستبشر بهم ونأمل كثيراً بسماع صوتهم، وقد غدو رموزاً في إعلامنا المقاوم، ونجوماً في فضائنا الافتراضي وعالمنا الحر.

لكن الجانب الناصع المنير المضيء المشرق للإعلام العربي المقاوم، يقابله جانبٌ معتمٌ مظلمٌ أسودٌ قاتمٌ بهيمٌ، فاسدٌ منحرفٌ ضالٌ مريضٌ عقيمٌ، يقوم بأدوار مشبوهةٍ، ويؤدي نيابةً عن العدو مهام قذرةً، ويتصدى لتغطياتٍ مزورة واستقصائياتٍ كاذبة، ويعمل جاهداً لطمس الحقائق وتزوير الوقائع، وتشويه صورة المقاومة، وتلطيخ سمعة الشعب، وتبيض صفحة دولة الكيان الغاصب، وتطهيرها من رجس جرائمها وقبح أفعالها، ويصف العدو بالصديق، وينعت المقاومة بالعدو، ويسمي شهداءها قتلى، وقتلى العدو ضحايا، ويمنحه الحق في القتل والإبادة، ويعيب على الشعب والمقاومة حقهم في الدفاع عن النفس، والذود عن الوطن.

هذه الأصوات المارقة الغريبة الشاذة المنحرفة، الضالة الفاسدة التي لا تنطق بالحق، ولا تعرف غير الباطل، وتنعق في إعلامها كما تنعق البوم والغربان، وتتعمد تزوير الحقائق والانقلاب على القيم والأخلاق، والتنكب للماضي والتاريخ، وإنكار الحاضر وما تراه العيون، ولا تريد الخير لأمتها، ولا تتمنى الفرج لشعوبها، وتتعمد تشويه صورة بلادها، وتلطيخ شرف أمتها، وترضى أن تعمل بوقاً أجيراً، وصوتاً مأموراً، يدفع لها فتنهق، وتؤمر فتركع، وتوبخ فتخضع، ويكتب لها فتقرأ، ويملى عليها فتتقيأ، قد ارتضت الذل والهوان، وأبت إلا أن تعيش ذليلةً مستخدمةً، وضيعةً مستأجرة، تعمل عند مشغلها ولو كان أجنبياً، تخاف من سوطه كالغلمان والعبيد، وتطمع في ماله كالتجار والمناكيد، وتخلص له وهي تعلم أنه عدوها وقاتل أهلها.

هذه الأصوات الخبيثة تتولاها محطاتٌ عربيةٌ مارقةٌ، وهيئاتٌ إعلاميةٌ منشقة عن الأمة، ومرتدة عن دينها، ومنسلخة عن قومها، لا يشرفنا أن نذكر اسماءها وهي بسوئها معروفة، وبشارتها مشبوهة، إذ بذكرها يعلو شأنها، وهي والعياذ بالله أحقر من أن نذكرها بلساننا، ولا تستحق أن نلوث بها صفحاتنا، ولعلها تعرف نفسها جيداً، ولا تحتاج إلى كثير بيان، أو تفصيل هوية، وأهلنا يعرفونها جيداً، ولا يحبون مشاهدتها، ويستعيذون بالله عز وجل من اسمائها، وينفرون من أصوات مذيعها، ويستنكرون تحليلات ضيوفها، ويربأون بأنفسهم أن يضيعوا أوقاتهم بمتابعتها ومشاهدة برامجها.

اللهم إنَّا نبرأ من هذه المحطات، ونستعيذ بك من هؤلاء الإعلاميين الكاذبين، ونستجير بك من شرذمة الفجار الممولين، ونعوذ بك من شرور ضيوفهم، ومن ضلال محلليهم وخبث خبرائهم، وإننا على يقين بأن الله عزَّ وجل يترصدهم ويتعقبهم، وسيكون لهم بالمرصاد، وسينالهم حصاد ألسنتهم، وجمر أموالهم في صحتهم وأبدانهم، وفي بيوتهم وأولادهم. 

وإنَّا نسأله سبحانه وتعالى أن يلعنهم والملائكة أجمعون، وأن يسود صفحاتهم وأن يفضحهم أمام الملأ الأعلى والعالم أجمع، وأن يعجل خاتمتهم ويهتك سرهم، إلا أن يتوبوا ويؤوبوا، ويتراجعوا عن خطأهم ويعودوا إلى صوابهم، وإلا فإن أرضنا ستلفظهم، وقبور أشرافنا لن تقبلهم، ونعال شعوبهم يوماً ستطالهم، ولعناتهم ستحل عليهم براءةً ومقاطعةً وعزلاً وحرماناً وإقصاءً وعقاباً. 

بيروت في 30/8/2024
[email protected] في ظلال طوفان الأقصى "114"
غزة تتحدى بصمودها نتنياهو والضفة تكسر بجبروتها سموتريتش وبن غفير
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
اليوم ألــــ 332 للعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، هو اليوم السادس للعدوان الإسرائيلي الواسع على شمال وجنوب الضفة الغربية، والمعتدي هو العدو نفسه، والمعتدى عليه هو الشعب الفلسطيني، والمتحالف معه هو الغرب نفسه والولايات المتحدة الأمريكية، والمتفرج على الجريمة والصامت إزاءها والعاجز أمامها، هي الدول العربية المتخاذلة الضعيفة العاجزة. 

والغاية من العدوانين هنا وهناك، كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتيئيسه، ودفعه للخضوع والاستسلام، والقبول بالذل والهوان، والرضى بالعيش تحت الاحتلال، والعمل تحت إدارته وإرادته خدماً له وحراساً على مصالحه، والتخلي عن أحلامهم في الدولة والعودة والعلم والوطن، والاكتفاء بإداراتٍ محليةٍ، وهيئات حكمٍ عائليةٍ، لا طموح لها ولا غايةً عندها.

ولإن كانت هزيمة المقاومة في قطاع غزة، وتفكيك صفوفها وسحب سلاحها وتدمير أنفاقها، وطرد قادتها وترحيل أهلها، واستعادة الأسرى الإسرائيليين واستنقاذهم بالقوة، مجاناً دون مقابل، هو حلم نتنياهو المستحيل وغايته الصعبة، التي عمل عليها على مدى ألـــــ 332 يوماً الماضية دون جدوى، ولم يحقق خلالها شيئاً من أهدافه، ولم ينجز شيئاً من وعوده، بل على العكس مما أراد، فقد ساخت أقدام جيشه في رمال غزة، وغرق وحكومته في أوحالها، ولم يستطع أن يخرج منها أو ينهي مهامه فيها، رغم حجم الدمار الذي سببه، وعشرات آلاف الشهداء والجرحى الذين سقطوا نتيجة حمم صواريخه ونيران دباباته. 

فإن تهويد القدس والضفة الغربية، وتوسيع المستوطنات وزيادة عددها، وتشريع بؤرها وتشجيع المستوطنين على بناء جديدها، واستجلاب المزيد من السكان إليها، والتضييق على الفلسطينيين وحصارهم، وهدم بيوتهم وطردهم من بلداتهم، ومصادرة أرضهم وحرمانهم من ممتلكاتهم، وحرق سياراتهم وتخريب مرافقهم، وإتلاف محاصيلهم وتجريف أشجارهم، هو حلم الوزيرين المتطرفين الأهوجين الأحمقين بن غفير وسموتريتش، اللذين يعملان ليل نهار لبسط السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، وإعلانها جزءً من الدولة العبرية، والاحتفال بإعلان دولة "يهودا والسامرة"، واستعادة أمجاد اليهود الغابرين قبل ثلاثة آلاف عامٍ، بزعمهم أنها كانت لهم وكانوا هم أصحابها. 

لكن الأول الحالم بتحقيق أهدافه ما زال عاجزاً أمام صمود أهل غزة وثبات مقاومتهم، الذين يصرون رغم الجراح والآلام، والقتل والخراب والدمار على بقائهم، ويتحدون ولو بدمائهم جبروته وعدوانه، ويرسلون له يومياً رسائل بالدم والنار، أننا ها هنا باقون، لن نترك أرضنا، ولن نتخلى عن بلادنا، ولن نعيد نكبتنا، ولن نكرر نكستنا، وسنبقى نقبض على الجمر ولو حرق أيدينا، والتاريخ على مثل مقاومتنا شاهد، والميدان بعمليات وإنجازات مقاومتنا ينطق، والصورة تفضح والحقيقة تكشف، وعداد قتلاه لا يتوقف، وسجلات مستشفياته على جرحاه تشهد، ومصحاته لا تتوقف عن استقبال مرضى جنوده المصدومين المرعوبين.

تلك كانت غزة العزة، التي أحسنت الرد وأبدعت في الصمود، فأعيت نتنياهو ومن معه من القادة والجنود، أما أهلنا في القدس والضفة الغربية، بكل مدنها وبلداتها ومخيماتها، شمالاً وجنوباً ووسطاً، حيث جبل النار نابلس، وخزان الرجال الخليل، ومدرسة المقاومة جنين، وعرائن المقاتلين وكتائبها في طوباس وطولكرم، وأحرار الثورة في سلفيت وبيت لحم، والجمر المتقد تحت الرماد في رام الله، والنار المقدسة في القدس، فلا أظن إلا أنهم سيلطمون بن غفير وسموتريتش على وجهيهما، وسيرغمونهما على الاستيقاظ من غفوتهما وعدم الانجرار وراء أحلاهما، وعدم المغامرة بمخططاتهما، فالضفة الغربية ليست قطعة زبدٍ يقطعونها ليأكلوها بسكينٍ، ولا قطعة جبنٍ يقتسمونها على طاولةٍ كما يريدون، بل هي كتلةُ نارٍ تلتهب، وبركان ثورةٍ ينفجر، ومقاومةٌ تتقد، وسيعلم الأغران السفيهان أن حسابهما كان خاطئاً، وأن رهانهما كان فاشلاً.

كما سيعلم قادة العدو وجيشه، وحكومته ورئيسها، أنهم أخطأوا إذ قدموهما، وورطوا كيانهم إذ جعلوهما جزءً من حكومتهم، وطرفاً في ائتلافهم، فهذان الأهوجان وإن كان نتنياهو سيدهما وأسوأ منهما، قد أوردا كيانهم موارد الهلاك، وأدخلوا جيشهم في مواجهةٍ مع شعبٍ كان يتوق للثورة والانتفاضة، وكان يعمل لنصرة غزة ونجدتها، ولكنه الآن في مواجهةٍ سافرةٍ مع عدوٍ يستهدفهم، ويريد استئصالهم من أرضهم وطردهم من بلادهم، ويتطلع إلى السيطرة على ممتلكاتهم والاستيلاء على خيراتهم، وقد ظن أنه محصنٌ قويٌ، وأنه محميٌ قادر، وأنه بما فعل في غزة قد أرهبهم وأرعبهم، فلن يقوى أهلها على مواجهتهم ومقاومتهم، والتصدي لهم وقتالهم.

لكن أهلنا وكل شعبنا من عمق الجراح ومن قلب المحنة والابتلاء يقولون، هذه الأرض أرضنا، وهذه البلاد بلادنا، وما أصابنا لن يكسرنا، ولن يفت في عضدنا، ولن يقضي على مقاومتنا، ولن يجبرنا على التسليم والاستسلام، أو الخضوع والخنوع، وسيكون من بيننا من يفشل مشاريعهم، ويحبط خططهم، وسيدرك نتنياهو ولو بعد حين، أنه خسر إذ قامر، وخاب إذ راهن، فهذه الأرض المشبعة بدماء أهلها، والمسكونة بشهدائها، والمروية بدماء أهلها، لا يطأطئ رجالها رؤوسهم، ولا يحنون قاماتهم، ولا يخفتون أصواتهم، ولا تضعف إرادتهم أو تلين عريكتهم، وقسماً يقولون أن هذه الأرض لن تكون إلا لهم، ولن يسكنها غيرهم.  

سينتصر الفلسطينيون وإن طال الزمن، وستخرج غزة من تحت الركام وآثار الدمار مرفوعة الرأس عزيزة، وسترد لها الضفة الغربية والقدس التحية، بمثلها أو أفضل منها قوية، ومعاً سيصدون العدو وسيسقطون أعلامه، وسيبددون أحلامه، وسيفشلون مخططاته، وسيفككون كيانه، وسيقوضون بنيانه، ومعاً سيقودون الأهوجين ورئيسهما إلى منبر الإعلان عن الهزيمة والخسارة، وإعلان الاعتزال والاستقالة، ولعن أنفسهما والندامة. 

بيروت في 2/9/2024
[email protected]

حقوق الطبع والنشر © 2024 Video IQ